للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأولى أن يخرجه من الوسط الذي يعيش منه؛ قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: ٣٢]، فليس كل الناس على نَسَق واحد أو في درجة واحدة من حيث الغنى والفقر، فالوسط - إذًا - أن يكفر الإنسان على قدر حاله.

قوله: (إلا في المدينة خاصة) (١)، المقصود، أي: مدينة كانت من المدن الكبيرة كالتي تُسمَّى الآن بالعواصم، حيث تجمع جمعًا غفيرًا من الناس، وتكون محلًّا للتجارات والصناعات، وتكثر فيها الحركة عن المدن والقرى الصغيرة.

[تتمة]

يندرج تحت هذه المسألة فروع لم يتعرض لها المؤلف، منها:

أولًا: من الذي يُطْعَم؟

وكان من المناسب أن يذكر المؤلف هذه المسألة أولًا؛ قال الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩]، فـ (مساكين) جاءت في الآية مطلقة فهل يدخل في ذلك الفقير أو لا؟ وهل يجزئ إطعام أي مسكين؛ سواء كان مسلمًا أو ذميًّا أو حربيًّا، أو أن هذا خاص بالمسلم؟ (٢).

المسكين مأخوذ من المسكنة، كأنه لُصق بالتراب، والفقير مأخوذ من فقرات الظهر، فكأنه خلي ظهره من بعض فقراته، إذًا هو أمس حاجة؛ لأنه عاجز، ولذا ذهب الحنابلة (٣) إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين، وذهب بعض العلماء (٤) إلى أن المسكين أشد حاجة من الفقير، لكن لم


(١) تقدَّم.
(٢) سيأتي مفصلًا.
(٣) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٦/ ٤٦٩)، حيث قال: "إلا أنَّ الفقير أشد حاجة من المسكين، من قِبَل أن الله تعالى بدأ به، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم".
(٤) وهم الحنفية، ويُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٤٣). حيث قال: "واختلف أهل التأويل واللغة في معنى الفقير والمسكين، وفي أن أيهما أشد حاجة وأسوأ حالًا،=

<<  <  ج: ص:  >  >>