علماء، وتركوا لنا تلك المؤلفات العظيمة التي لا نَزَال نغرف من نهرها وينبوعها.
[لماذا انتشر فقه الأئمة الأربعة؟]
لأنه وُجِدَ لهم تلاميذ عُنُوا بذلك الفقه، وَنَشروه في الآفاق بخلاف الآخرين، فإن تلاميذهم لم يُقدِّمُوا لهم ما قدَّمه تلاميذ الأئمة.
هل هذا الفقه الذي بين أيدينا هو ذلك الفقه الذي كان في عصر الأئمة؟ أو بمعنًى آخر: هَذَا الفقه الذي بين أيدينا الآن نرَاه في موسوعاتٍ ضخمةٍ، هل وُضِعَ من أصلِهِ على هذا الشكل؟
لَا شكَّ أن ثوابتَ الفقه ثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي سُنَّة رسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وفي تلك الفتاوى الكثيرة التي صدرت عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين الذين تبعوهم بإحسانٍ، وعَمَّن جاء بعدهم من العلماء الأعلام، هذا كلُّه منهج العلماء، لكننا عندما ننظر إلى هَذَا الفقه -وخُصوصًا الذي نَعْني به المسائل الجزئيَّة، أو الفروع الفقهيَّة- نجد أنه بدأ على مراحلَ؛ فلم يكن متوسعًا؛ لأن الناس في ذلك الوقت كانوا علماء، وكانوا في الغالب يستمدون الأحكام من كتاب الله عزَّ وجلَّ.
ولذَلكَ نجد أن التأليفَ في الفقه وغيره بدأ في القرن الثاني الهجري، وهناك مَنْ كَتَبَ في الحديث، وعندما جاءت الدولة العباسية اهتمت بالفقهاء اهتمامًا كثيرًا، ووضعت لهم الحوافز وشَجَّعتهم؛ فانطلق الفقه انطلاقةً كبيرةً.
ولكنَّ الفقه في بدايته كانت مسائلُهُ قليلةً، ومن باب المثال لا التفصيل والحصر نذكر أنهم كانوا يقولون: لا يجوز بيع السمك في الماء؛ لأنه أمز مجهولٌ لا يمكن الوصول إليه، ولا الطير في الهواء، ولا الشارد، يعني: العبد الشارد … إلى غير ذلك من الأحكام، فجاء العلماء بعد ذلك، فَوَضعوا مقياسًا وَحدًّا ضابطًا لتلك الأمور، فَقَالوا: يُشْتَرط في المبيع أن يكونَ مالًا متقوَّمًا مقدورًا على تسليمه.