للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنَّ هذا العتق على وَجْهِ القُربة والطاعة لله سبحانهُ وتعالى حتى وإن كانت نتيجة خطأ وَقَعَ فيه المكلَّف، إلا أنها استجابة لأمر الله سبحانهُ وتعالى فتكون طاعةً من الطاعات.

[دليل الجمهور]

وجمهور العلماء يستدلُّون بحديث معاوية بن الحكم، فقد كانت عنده جاريةٌ فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الجارية، وقال: يا رسول الله عَلَيَّ عِتْقُ رقبةٍ فَأُعْتِقُهَا؟ فسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أينَ اللهِ؟ ". قالت: في السماء. قال: "مَن أنا؟ ". قالت: أنتَ رسول الله. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْتِقْهَا، فإنها مؤمنةٌ". وهو حديثٌ صحيحٌ جاء في "صحيح مسلمٍ" (١) وغيره (٢)، وجمهور أهل العلم يعتبرونه نَصًّا صريحًا في هذه المسألة، واحتجُّوا بأن هذا إن لم يكن شرطًا في صحَّة عِتْقِهَا لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لِيسألَها: "أين الله؟ " ولا: "من أنا"، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية: "أَعْتِقْهَا، فإنها مؤمنةٌ". إنما هو نَصٌّ صريحٌ يُستَدَلُّ منه على اشتراط الإيمان في الرقبة المعتَقَة، وإن لم يكن هذا شرطًا في العتق لَبَيَّنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة (٣) كما هو معلوم من قواعد الأصول.

- قوله: (وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ القِيَاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ المُطْلَقِ عَلَى المُقَيَّدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَيَّدَ الرَّقَبَةَ بِالإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ القَتْلِ، وَأَطْلَقَهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَيجِبُ صَرْفُ المُطْلَقِ إِلَى المُقَيَّدِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ حَمْلِ المُطْلَقِ عَلَى المُقَيَّدِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالحَنَفِيَّةُ لَا يُجِيزُونَه، وَذَلِكَ أَنَّ الأَسْبَابَ فِي القَضِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَمَّا حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَهُوَ ظَاهِرُ العُمُومِ، وَلَا مُعَارَضَةَ عِنْدَهُ بَيْنَ المُطْلَقِ وَالمُقَيَّدِ، فَوَجَبَ عِنْدَهُ أَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ عَلَى لَفْظِهِ).


(١) حديث (٥٣٧/ ٣٣).
(٢) أخرجه أبو داود (٩٣٠).
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>