للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قصة اليهودي عندما حضر هو وأحد المسلمين عند عمر، ليقضي بينهم، قضى عمر - رضي الله عنه - لليهودي، فقال: لقد قضيت بالحق. فأخذ عمر الدرة فضربه بها (١)، يعني كأن عمر - رضي الله عنه - فهم منه أنه يمدحه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "احثوا في وجوه المداحين التراب" (٢).

إذا أحببت إنسانًا، فقل: إني أحبك في اللّه. يرد عليك فيقول: أحبك اللّه في الذي أحببت من أجله.

لكن بعض الناس يأتي ويقول حقًّا، ويقول: يا فلال، جزاك اللّه خيرًا، استفدت من كذا وكذا. هذا لا بأس فيه، لكن بعض الناس ترى النفاق في وجهه يأتي ويبالغ ويمدح ويثني.

[لذلك ماذا كان رده لما علاه بالدرة عمر - رضي الله عنه -؟]

قال اليهودي: القاضي إذا قضى بالعدل، فإن اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يجعل له ملكين، ينطق بلسانهما. يعني الملكين، يوحيال إليه بماذا؟ يلقنانه الحق، وهو لا يشعر، فيحكم بالعدل. فقال: ما قلت ليس ببعيد؛ لأنه مما قال في التوراة.

وهذا حق، فإن الإنسان إذا أراد أل يقضي في أمر من الأمور مهما قال عسيرًا، والتزم الصدق، فإنه يوفَّق، وقد لا يكون من العلماء الأعلام، لكنه يوفق إلى الصواب؛ لأن قصده الخير، ولذلك في قصة أبي شريح عندما قال له رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللّه هو الحكم، فلِمَ تكنى بأبي الحكم؟ "، قال: إنه إذا اختلف قومي في أمر من الأمور أتوني فقضيتُ بينهم، فرضوا بما قضيت به. فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "إن ذلك لحسن، أو ما أحسن هذا! "، وما زاده حسنًا أنهم يرضون بحكمه، ثم سأله الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما أكبر أبنائك؟ " قال: شريح. قال: "فأنت أبو شريح" (٣).


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٧١٩)، وقال الألباني: "صحيح موقوف". انظر: "صحيح الترغيب والترهيب" (٢١٩٧).
(٢) أخرجه مسلم (٣٠٠٢).
(٣) أخرجه أبو داود (٤٩٥٥)، وصححه الألباني في "الإرواء" (٢٦١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>