للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة الجمهور]

أمَّا جمهور العلماء فلهم عدة أدلةٍ على قولهم في هذه المسألة، والمؤلف هاهنا قد أوردَ بعضَ هذه الأدلة ونَسَبَها إلى المالكية، ولكنها - في حقيقة الأمر - إنما هي طائفةٌ من أدلة الجمهور، ومن هذه الأدلة:

أولًا: قال جمهور العلماء: إننا لو سَلَّمْنَا بهذه القراءة فليس في القراءة ما يدلّ على أن الفيئة لا تصحّ بعد الانتهاء وأن الطلاق حينها يقع مباشرةً بانتهاء المدّة، بل هذا يُستَدَلُّ به على أن له الرجوع أثناء هذه المدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في الآية: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}، وعزيمة الطلاق إنما تقع بالقول، فمجرد قول الزوج: (لا أَطَؤُكِ) لا يُسَمَّى طلاقًا، وإنما الطلاق يقع بالقول، سواء اجتمعت معه نيةٌ أو لا؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث جدهن جدّ وهزلهن جدّ"، وذكر الطلاق (١)، ولذا فإن الطلاق يقع باللفظ الصريح، أما الكناية فمنها ما يُرجَع فيه إلى اللفظ، ومنها ما يُرجَع فيه إلى نيَّة من تَلَفَّظَ بها.

ثانيًا: أن الله سبحانه وتعالى قال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، ثم قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا}، والفاء إنما هي للتعقيب والترتيب، مما يعني أن الفيئة لا تكون إلا بعد انتهاء الأشهر الأربعة، كما هو الحال في قوله سبحانه وتعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}، والإمساك لا يكون إلا بعد وقوع الطلاق.

قوله: (وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي الآيَةِ أَرْبَعَةُ أَدِلَّةٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَعَلَ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ حَقًّا لِلزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ، فَأَشْبَهَتْ مُدَّةَ الأَجَلِ فِي الدُّيُونِ المُؤَجَّلَةِ).

والمقصودُ من التَّشبيه بالديون المؤجَّلة هو أن يقول دائنٌ لِلمَدِينِ: (إذا لم تَدفَع لي هذا الدَّينَ خلال أربعة أشهُرٍ سَأَقُومُ بِحَبْسِكَ)، فلا يُفهَمُ من هذا أنه يستحقّ الحبس إذا انقَضَت الأشهُرُ الأربعةُ ثم أعطاه حَقَّهُ.


(١) أخرجه أبو داود (٢١٩٤) وغيره. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٨٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>