للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الطَّلَاقَ إِلَى فِعْلِهِ، وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ يَقَعُ مِنْ فِعْلِهِ إِلَّا تَجَوُّزًا - أَعْنِي: لَيْسَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ إِلَّا تَجَوُّزًا - وَلَيْسَ يُصَارُ إِلَى المَجَازِ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ).

ومراد المؤلِّف هاهنا أن آية: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} هي آيةٌ صريحةٌ في أنَّ الطلاق إنما يقع باللفظ، أما الذي ذهَبَ إليه الحنفية إنما هو من باب التَّجَوُّز، والتَّجَوُّزُ إنما هو نوع من أنواع المَجاز.

وهناك خلافٌ في المجاز فيما إذا كان ثابتًا في القرآن واللُّغة أم لا، والصحيح في هذه المسألة أن القرآن ليس فيه مجازٌ، وأن الآيات القرآنية التي قد يُفهَم منها وجود المَجاز في كتاب الله إنما الأَوْلى أن يجابَ عنها بأن هذا ليس مجازًا، بل هو إيجازٌ بالحذف، فإن الإيجاز معروف في لُغة العرب وفي أسلوب القرآن، كقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} في قراءة: (ونادوا يا مالِ) (١) حيث حُذِفَت الكاف (٢)، وقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، وقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، فقد أجاب العلماء عن كلِّ هذه الآيات بأن فيها إيجازًا بالحذف (٣).


(١) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم عقب حديث رقم (٣٢٣٠) عن عبد الله بن مسعود. وذكرها ابن خالويه في "مختصر في شواذ القرآن" (ص ١٣٧).
(٢) يُنظر: "الإنصاف" لأبي البركات الأنباري (١/ ٢٨٤)، حيث قال: "ذهب الكوفيون إلى أن ترخيم المضاف جائز، ويوقعون الترخيم في آخر الاسم المضاف إليه، وذلك نحو قولك: "يا آل عام" في يا آل عامر، و"يا آل مال" في يا آل مالك، وما أشبه ذلك. وذهب البصريون إلى أن ترخيم المضاف غير جائز".
(٣) يُنظر: "البحر المحيط" للزركشي (٣/ ٤٦)، حيث قال: "ووقع في القرآن على الأصح، كقوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] {لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [الحاقة: ١١] وقد صنف شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام كتابًا حافلًا في ذلك، وبه قال جمهور الفقهاء منهم أحمد بن حنبل، فإنه قال في قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] هذا من مجاز اللغة، يقول الرجل للرجل: سنجري =

<<  <  ج: ص:  >  >>