للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)} [البقرة: ٢٢٧]، قَالُوا: فَهَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهٍ يُسْمَع، وَهُوَ وُقُوعُهُ بِاللَّفْظِ لَا بِانْقِضَاءِ المُدَّةِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الفَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦]، ظَاهِرَةٌ فِي مَعْنَى التَّعْقِيبِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الفَيْئَةَ بَعْدَ المُدَّةِ، وَرُبَّمَا شَبَّهُوا هَذِهِ المُدَّةَ بِمُدَّةِ العِتْقِ).

وكلّ هذه الأدلة التي نَسَبَهَا المؤلّف للمالكية هاهنا إنما هي بعض أدلة الجمهور كما ذَكَرْنَا.

قوله: (وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهَ هَذِهِ المُدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، إِذْ كَانَتِ العِدَّةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ؛ لِئَلَّا يَقَعَ مِنْهُ نَدَمٌ. وَبِالجُمْلَةِ فَشَبَّهُوا الإِيلَاءَ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَشَبَّهُوا المُدَّةَ بِالعِدَّةِ، وَهُوَ شَبَةٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (١)).

فأبو حنيفة قد شَبَّهَ مدة الإيلاء بالعدة، وهناك شَبَهٌ بالفعل بينهما مِن حيثُ إن العدَّة شرعت لكي تكون فرصةً للزوج في التفكير ومراجعة نفسه في أمر هذا الطلاق كما قال الله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، فمدة الإيلاء إنما هي كذلك فرصةٌ للزوج في مراجعة نفسه لكي يفيء إلى زوجته ويرجع عن هذا الإيلاء.

لكن يفترقان من جانبٍ آخَرَ في أن الفيئة لم يَسبِقْها طلاقٌ، وإنما


= عليك رزقك. إنا نشتغل بك. ومنعه آخرون، ونسبه الغزالي في "المنخول" إلى الحشوية قال ابن القشيري: وحكي عن الأستاذ أيضًا، وقال ابن برهان: والأستاذ أبو إسحاق إذا أنكر المجاز في اللغة، فلأن ينكره في القرآن من طريق أولى؛ لأن القرآن إنما نزل بلغتهم".
(١) أخرجه سعيد بن منصور (٣/ ٨٧٠) عن ابن عباس قال: "عزيمة الطلاق: انقضاء الأربعة الأشهر، والفيء: (الجماع) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>