للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما يُوسِّع رقعة الخلاف في المسألة مع أنها يسيرةٌ لا تحتمل هذا، بل إن هذه المسألة في الأصل لا خلاف فيها بين أهل العلم، ولم يخالف فيها إلا الإمام الزهريّ، وبعض العلماء وصَفَ قول الزهري في هذه المسألة بالشذوذ وحَكَى الإجماعَ فيها.

فالعلماء قد اتَّفقوا على جواز أكل الغزاة وإطعام عبيدهم وعلْف دوابهم مما يجدونه في دار الحرب، وهذا القول بالجواز يقول به كافّة أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة (١).

[أدلة الجواز]

منها حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - أنه قال: "أَصَبنا يوم خيبر طعامًا، فكان كلُّ واحدٍ منا يأخذ ما يكفيه ثم ينصرف" (٢). وفي هذا ما فيه من الدلالة على الأدب الرفيع للصحابة رضوان الله عليهم؛ إذ كان الواحد منهم إنما يأخذ قدر حاجته فقط ولا يزيد عن ذلك، ثم ينصرف.

وكذلك قصة جيش الشام في عهد عمر - رضي الله عنه -، حينما وجدوا في أرض الشام أنواعًا كثيرةً من الأطعمة ومراعيَ شتَّى، فحينئذٍ كَتَبَ قائد الجيش إلى الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستأذنه في أن يأكل الغزاة المسلمون من هذه الأطعمة ويعلفوا منها دوابهم، فجاء ردُّ عُمر - رضي الله عنه -: "دعِ النَّاس يأكلون ما يحتاجون إليه ويعلفوا دوابهم، فمَن باع شيئًا بذهبٍ أو فضةٍ فليردّه إلى الغنيمة" (٣).

وفي هذا دليلٌ صارمٌ على جواز الأكل من هذا الطعام وعَلْف


(١) سيأتي.
(٢) أخرجه أبو داود (٢٧٠٤)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (٢/ ٣٢٠) عن هانئ بن كلثوم، أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنا فتحنا أرضًا كثيرة الطعام والعلف، فكرهت أن أتقدم على شيء من ذلك إلا بأمرك، فكتب إليه عمر: "أن دع الناس يأكلوا ويعلفوا، فمن باع شيئًا من ذلك بذهب أو فضة فليرده إلى غنائم المسلمين، فقد وجب فيه خمس الله وسهام المسلمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>