للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدواب منه، بل حتى إذا تَعَذَّرَ حمل الأطعمة - كما كان في ذلك الوقت - فلهم رخصةٌ عامَّةٌ في بيعها وإيداع ثَمَنِها في الغنيمة.

وسيأتي الكلام أيضًا فيما إذا أخَذَ الإنسان قدرًا من هذه الأطعمة وأكل منه ما أكَلَ ثم تبقى معه ما يزيد عن حاجته، وما إذا كان يرد هذا الفائض حينئذٍ إلى الغنيمة أم يتصبَّر أو يحرقه، فهذا مما اختلف فيه أهل العلم (١)، بل إن الاختلاف في مثل هذه المسائل فيه دلالة على شدة ورع الفقهاء - رحمهم الله تعالى - وحرصهم على عدم الوقوع في الشبهات، كما هو الحال دائمًا في حقِّ المسلم الذي ينبغي عليه تَجَنُبُ الوقوع في الشبهات، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومَن وقع في الشبهات فقد وقَعَ في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتَعَ فيه" (٢)، وكذلك


(١) يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ٢٣٤)، حيث قال: "وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها".
ومذهب المالكية، يُنظر: "المدونة" لسحنون (١/ ٥٢١)، حيث قال: "قال مالك: سنة الطعام والعلف في أرض العدو أنه يؤكل وتعلف الدواب منه، ولا يستأمر فيه الإمام ولا غيره. قال مالك: والطعام هو لمن أخذه يأكله وينتفع به وهو أحق به.
ومذهب الشافعية، يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ١٦٩)، حيث قال: "وإذا خرج المسلمون من دار الحرب ومعهم من بقايا ما أخذوه من طعامهم ففي وجوب رده إلى المغنم قولان:
أحدهما: نصَّ عليه كيا هنا أن عليهم رده إلى المغنم لارتفاع الحاجة، فإن استهلكوه كان محسوبًا عليه من سهامهم.
والقول الثاني: نصَّ عليه في سير الأوزاعي، لا يلزمهم رده".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "المسائل الفقهية" لأبي يعلى الفراء (٢/ ٣٥٥)، حيث قال: "إذا دخل جيش المسلمين إلى دار الحرب فأصابوا طعامًا كان لهم أكله فإن خرج إلى دار الإسلام ومعه بقية من ذلك الطعام فهل عليه رده إلى المغنم إذا كان يسيرًا أم لا؟ على روايتين".
(٢) أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتَّقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومَن وقع في=

<<  <  ج: ص:  >  >>