للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلكَ كان شأن عمرَ -رضي الله عنه-، والرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقْتَدوا باللَّذَين من بَعْدي: أبي بكرٍ وعُمَر" (١).

فَجَميعُ الأحكام الفقهيَّة إنَّما هي مُسْتَمدَّةٌ من كتاب الله عزَّ وجلَّ، ومن سُنَّة رسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، أو من أَمْرٍ يعود إليهما، أو إلى مَقَاصدهما، ولا شكَّ أنَّ في مقدمة تلك الأحكام: الفتاوى التي أفتى بها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فتلك الفتاوى لم تَصْدر عن الصحابة -رضوان الله عليهم- عَنْ هوًى، ولا عن جهلٍ، فالصَّحَابةُ -رضوان الله عليهم- أبعد الناس عن الهَوَى، بَلْ كانوا يَحْرصون غايةَ الحرص على أن يتبعوا منهج كتاب الله عزَّ وجلَّ، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا أيضًا يتحرجون من الفتوى، ونجد كثيرًا منهم يُحِيلُ الفتوى علَى أَخِيهِ حتى تعَيَّنَ أمامَه، فَيَجد أنَّ الأمرَ لا بدَّ أن يُبَيَّنَ حكم الله فيه، لأنَّه "مَنْ سُئِلَ عن علمٍ، فكَتَمه، ألجمه الله بلجامٍ من نارٍ يوم القيامة" (٢).

[فهل وقفت المسائل عند زمن الصحابة؟]

لا، فنجد أن البلاد الإسلامية قد اتَّسعتْ، وأن الفتح الإسلامي امتدَّ في زمن الصحابة -رضوان الله عليهم- في زمن الخلفاء الراشدين بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم امتدَّت أيضًا رقعة الدولة الإسلامية في زمن الدولة الأموية، ثم في زمن الدولة العباسية، وَجَدَّت حوادثُ ووقائعُ نتيجة اختلاط المسلمين بأمم غيرهم في أُمُورٍ لم تكن معروفةً بين المسلمين، فلا بدَّ أن ينصبَ أئمَّة المسلمين أنفسهم، وأن يُشَمِّرُوا عن ساعد الجد، وأن يبحثوا عن حَلٍّ لتلك الأحداث في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن وجدوا في ذلك فنِعِمَّا هي، دان لم يجدوا فإنهم يجتهدون ويُلْحقون ما ليس في الكتاب ولا في السُّنَّة بما في كتاب الله عزَّ وجلَّ وفي سُنَّة


(١) أخرجه أبو داود (٩٧)، وصححه الأرناؤوط.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٥٨)، وصححه الأرناؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>