للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الرأي الراجح بين الأقوال الثلاثة:

والذي نراه وننتهي إليه من هذه الأقوال في المسألة هو أن أقربَها هو أن ذلك راجعٌ إلى اجتهاد الإمام وَنَظَرِهِ، بحيث يفعل ما يرى فيه مصلحة المسلِمِينَ.

ومَن أطال النظَّرَ والتأمُّلَ في المسألة وَجَدَ أن عُمَرَ - رضي الله عنه - كان على عِلمٍ بِفِعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بدليل قوله - رضي الله عنه -: "لولا مَن سيأتي من الناس لَقَسَمْتُهَا بين المسلمين كما قَسَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر" (١)، وفي هذا دلالةٌ جليَّةٌ على أن عمر - رضي الله عنه - لم يخالِف في فِعله فِعلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرج عن قوله، ولكنه اجتهَدَ بالنظر إلى مصلحة المسلمين في الأزمان التالية لا في زمنه الحالي، فرأى أن يجعلها فيئًا يُنفَق في مصالح المسلمين.

ومن الأدلة كذلك على هذا القول ما كان في قصة بني النضير وإجلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم عن المدينة، وأنه بعد الاستيلاء على أموالهم كانت خالصةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذا فإن استدلال أصحاب القول الثاني بهذه القصة وأنها تصير فيئًا بمجرد الاستيلاء عليها يُجابُ عنه بأن هذه الواقعةَ كانت في أول الإسلام.

* قوله: (فَقَالَ مَالِكٌ (٢): "لَا تُقَسَّمُ الأَرْض، وَتَكُونُ وَقْفًا يُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ مِنْ أَرْزَاقِ المُقَاتِلَةِ، وَبِنَاءِ القَنَاطِرِ وَالمَسَاجِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الخَيْرِ، إِلَّا أَنْ يَرَى الإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ أَنَّ المَصْلَحَةَ تَقْتَضِي القِسْمَةَ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقَسِّمَ الأَرْضَ")


(١) أخرجه البخاري (٢٣٣٤) عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قال عمر - رضي الله عنه -: "لولا آخر المسلمين، ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر".
(٢) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (٤/ ٥٦٨)، حيث قال: " (ووقفت الأرض كمصر والشام والعراق). ابن شاس: أراضي الكفار المأخوذة بالاستيلاء قهرًا وعنوة تكون وقفًا يصرف خراجها في مصالح المسلمين وأرزاق المقاتلة والعمال وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير ولا تقسم".

<<  <  ج: ص:  >  >>