للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الرُّبُعُ العَظِيمُ فِي أَيْدِي القَوْمِ، ثُمَّ يَبِيدُونَ، فَيَصيرُ ذَلِكَ إِلَى الرَّجُلِ الوَاحِدِ، أَوِ المَرْأَةِ، ثُمَّ يَأتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنَ الإِسْلَامِ مَسَدًّا، وَهُمْ مَا يَجِدُونَ شَيْئًا، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ" (١)، ومن المعلوم ما لِمُعاذٍ - رضي الله عنه - مِن مكانةٍ في الإسلام، وأن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قد أثنى عليه بقوله: "وأعلمكم بالحلال والحرام معاذٌ" (٢)، فما كان من عمر - رضي الله عنه - حينئذٍ إلا أن راجَعَ نفسه في أمر التقسيم، ووقف عند آيات سورة الحشر، فانتهى إلى صحَّة ما أشار عليه به معاذٌ وعليٌّ - رضي الله عنهما - مِن وَقْفِ الأرضِ في مصالح المسلمين، وحينئذٍ عارضَهُ بلالٌ - رضي الله عنه - وأصحابُهُ مُطالِبِين إياه بتقسيم الأرض بين الغانمين، فقالوا: "اقْسِمْهَا بَيْنَنَا وَخُذْ خُمُسَهَا"، فقال عمر - رضي الله عنه -: "تُرِيدُونَ أَنْ يَأْتِيَ آخِرُ النَّاسِ لَيْسَ لَهُمْ شَيءٌ! لَا، هَذَا عَيْنُ المَالِ، ولَكِنِّي أَحْبِسُهُ فِيمَا يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ فقالوا: "اقْسِمْهَا بَيْنَنَا وَخُذْ خُمُسَهَا"، فقال عمر - رضي الله عنه -: "اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ"، فَمَا جَاءَ الحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ (٣).

وقد التَقَى الصحابةُ بعد ذلك عند هذا القول واتفقوا عليه، وسارَ الخلفاءُ بعدهم على ما انتهى إليه عمر - رضي الله عنه -.

القول الثالث: أن أرض العَنوة إنما تُقَسَّمُ بين المسلمين.

ودليل أصحاب هذا القول هو قول الله سبحانه وتعالى في آية الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وهذا القول هو ما ذَهَب إليه بلالٌ وأصحابه، من حيث إنه فِعْلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن فِعْلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو أَوْلَى مِن فِعْلِ غيره.


(١) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (ص ٧٤).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٧٩٠)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (٨/ ٢٩٠).
(٣) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (ص ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>