حياتَهم في تعلم هذا العلم وتعليمه، فنجد أنه يجتمع لديهم الطلاب من كل مكانٍ، فيأخذون عنهم العلم، ويدرسونه، ويبينونه للناس.
[تاريخ علم الفقه الإسلامي]
والفقه لم تكن بدايتُهُ كنهايتِهِ، فلم تكن بداية العلم كنهايته التي نجدها، فالفقه -كما هو معلومٌ- إنما هو مستمدٌّ من كتاب الله عزَّ وجلَّ الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت: ٤٢]، فهو قطب هذه الشريعة الذي تدور حوله.
ثمَّ بعد ذلك هو مستمدٌّ من سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ثم بعد ذلك استُمِدَّ من أُمُورٍ تَرْجع إلى الكتاب والسُّنة، فنحن نجد أنَّ الصَّحابةَ -رضوان الله عليهم- بعد أن تُوفِّيَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وَجَدَّتْ أمورٌ لَمْ تكن مَوْجودةً في زمن الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-، فَبَحثوا عن أحكامها أَوَّلًا في كتَاب الله عزَّ وجلَّ، كَمَا هو مَنْهج أبي بَكْرٍ رضوان الله عليه، فَكَان إذا حَدَثت حَادثةٌ، بَحَث عنها في كتاب الله عزَّ وجلَّ، فَإِنْ لَمْ يجدها في الكتاب، عَادَ فَبحَث عنها في سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنْ لم يجدها، فإنَّه يجمع الصَّحابة - رضوان الله عليهم- ويسألهم: أبَلَغهم شيءٌ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ وقد حصل ذلك في توريث السدس عندما سأل، فوجد أن أحد الصحابة قد بلَغه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه وَرَّث السدس … إلى غير ذلك (١).
(١) أخرج أبو داود (٢٨٩٤)، عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكرٍ الصديق تسأله ميراثها، فقال: ما لكِ في كتاب الله تعالى شيء، وما علمتُ لكِ في سُنَّة نبي الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فَقَال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس، فقال أبو بكرٍ: هل معَكَ غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكرٍ، ثم جاءت الجدة الأُخرى إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تسأله ميراثها، فقال: ما لكِ في كتاب الله تعالى شيءٌ، وما كان القضاء الذي قُضِيَ به إلا لغيرك، وما أنا بزائدٍ في الفرائض، ولكن فو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فيه، فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها … وقد صحَّحه الأرناؤوط.