للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا هو قول جماهير العلماء وليس قول أشهب وحده، وهو أنه تقبل توبته.

* قوله: (وَقَوْلٌ: إِنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الآيَةَ لَمْ تَنْزِلْ فِي المُحَارِبِينَ)، لعَلَّ المؤلفَ رَحَمِهُ اللهُ يشير إلى ما أُثِرَ عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن هذه الآية نزلت في قومٍ من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد، فنقضوا ذلك العهد، وقطعوا الطريق، وسعوا في الأرض فسادًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١)، ولكن الراجح أنها نزلت في المحاربين، وقد مر ذكر قصَّة العُرَنيين وَمَا فعل رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بهم؛ عقوبةً لهم ونكايةً ولأمثالهم.

* قوله: (وَأَمَّا صِفَةُ التَّوْبَةِ الَّتِي تُسْقِطُ الحُكْمَ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ تَوْبَتَهُ تَكُونُ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتْرُكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الإِمَامَ (٢). وَالثَّانِي: أَنْ يُلْقِيَ سِلَاحَهُ، وَيَأْتِيَ الإِمَامَ طَائِعًا .. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ القَاسِمِ (٣). وَالقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ تَوْبَتَهُ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يَتْرُكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَيَجْلِسَ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَظْهَرَ لِجِيرَانِهِ).

اختلَف أَهْلُ العلم في صفة التَّوبة التي تسقط الحكم عن المحارب إلى عدة أقوال:

منها: أن يترك المحاربة، وَيتُوب إلى الله تعالى، ولا يشترط أن يأتي


(١) أخرَجه أبو داود (٤٣٧٢) عن ابن عباس قال: " {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، نزلت هذه الآية في المشركين، فمَنْ تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يُقَام فيه الحد الذي أصَابه "، وَصَحَّحه الأَلْبَانىُّ فى " إرواء الغليل " (٢٤٤٠).
(٢) سيأتي القائل به.
(٣) يُنظر: " المقدمات الممهدات " لابن رشد الجد (٣/ ٢٣٥) حيث قال: " والثانى: أن يلقي سلاحه، ثم يأتي الإمام طائعًا، وهو مذهب ابن القاسم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>