للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الإمام فيسلم نفسه، ويعلن توبته أمامه، بل يكفيه مجرد التوبة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة (١)، وبه قال بعض الشافعية (٢).

وَمنها: أنَّه لا بدَّ من مُضيِّ مُدَّةٍ على إعلان توبته، فلا يكفي مجرد إعلان التوِبة وإنْ كان هذا دَليلًا في الغالب على صدق توبته، وإخلاص نيته، فَذهب الشافعية (٣) إلى أنه لا بد من مُضيِّ عامٍ على إعلان توبته.

والقصد من ذلك كله: هو أن يتحقق من أن التوبةَ صادقةٌ، وأنها لم تكن تقيةً (٤) أو مخادعةً، ولذلك قال بعض العلماء (٥): مجرد التوبة كافٍ؛ لأنه أقلع عن العمل وهو في حال قوة، يَعْني: قبل أن يُقْدر عليه كمَا في الآية.

* قوله: (وَإِنْ أَتَى الإِمَامَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، أَقَامَ عَلَيْهِ الحَدَّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ المَاجِشُونِ (٦). وَالقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ تَوْبَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِالمَجِيءِ إِلَى الإِمَامِ، وَإنْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُ حُكْمًا


(١) يُنظر: " شرح منتهى الإرادات " للبهوتي (٣/ ٣٨٣) حيث قال: " ومن تاب منهم (أي: المحاربين بعد قدرة عليه)، سقط عنه حق الله تعالى ".
(٢) يُنظر: " روضة الطالبين " للنووي (١٠/ ١٥٩) حيث قال: " ثمَّ ما يسقط بالتوبة في حقِّ قاطع الطريق قبل القدرة، يَسْقط بالتوبة نفسها ".
(٣) لم أقف عليه، والمشهور أنهم لم يحدُّوا في التوبة حدًّا. يُنظر: " نهاية المطلب " للجويني (٧/ ٣١٥) حيث قال: " والأصحاب مجمعون على أنَّا إذا حَكَمنا بأن التوبة تسقط الحدود، فمجرد إظهارها كافٍ ".
(٤) " التقية ": إظهار غير ما يعتقد؛ وقاية لنفسه من أذًى قد يصيبها. انظر: " معجم لغة الفقهاء " لمحمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي (ص ١٤٢).
(٥) هو مشهور مذهب الحنابلة، وبعض الشافعية كما تقدم.
(٦) يُنظر: " المقدمات الممهدات " لابن رشد الجد (٣/ ٢٣٥) حيث قال: " أما إنْ ألقى سلاحه، وأتى الإمام طائعًا، فإنه يقيم عليه حد الحرابة إلا أن يكون قد ترك قبل أن يأتيه ما هو عليه، وجلس في موضعه حتى لو علم الإمام حاله لم يقم عليه حد الحرابة، وهذا قول ابن الماجشون ".

<<  <  ج: ص:  >  >>