للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق مُغطًى بسقف، ونحوه، أو من بيته ملاصق للمسجد، أو مَن يقيم في غرفة في المسجد - كما كان فيما مضى، أو مَن لبيته منفذ مُشرع على المسجد، فالحكم معلق بالمشقة العامة، لا بآحاد المشقات التي تصيب بعضًا دون بعض؛ فإذا كانت المظنة قائمة يُخفف ولا ينظر للحاجة الخاصة بكل مُترخص؛ فمثلًا عقود السَّلم والإجارة والجعالة جاءت على خلاف القياس عند بعض أهل العلم؛ لأنَّ فيها شيء من الجهالة، وإنما أبيحت للحاجة إباحة عامة لم تقتصر على مَن يحتاج فحسب.

وكذلك إباحة كلب الصيد وكلب الحرث لكل أحد مع أن بعض الصائدين يَستغني عن الصيد بالكلب، ومع ذلك فإباحته عامة؛ لأنَّ: "الحاجة تَنزل منزلة الضرورة؛ عامَّة كانت أو خاصة" (١)؛ فإذا كانت الحاجة عامة فلا ينبغي أن يُخص بها أحد.

* قَالَ: (فَمَنِ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى نَوْعِ السَّفَرِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يُجِزْهُ فِي غَيْرِهِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ الرُّخْصَةَ لِلْمُسَافِرِ، عَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَسْفَارِ).

أما هذه الدعوى فغير صحيحة، فحاشا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يخرج في غير طاعة، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما خرج إلا حاجًّا أو معتمرًا أو غازيًا، هذه هي أسفار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهكذا كان أصحابه مِن بعده (٢).

نقول: هذا الذي ورد من إباحة الجمع في سفر الطاعة أو المباح لا يُقاس عليه سفر المعصية؛ لأن العاصي خرج على حدود اللَّه، وتجاوزها شأنه أن يُؤَدَّبَ، لا أن يُرَخَّص له.

والعقوبات على الذنوب تختلف؛ فمنها ما يقتضي القتل، أو إقامة


(١) يُنْظَر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: ٨٨)؛ حيث قال: "القاعدة الخامسة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة؛ عامَّة كانت أو خاصة".
(٢) كأنَّ الشارح -رَحِمَهُ اللَّهُ- يستنكر ما فهموه؛ حيث أدخلوا سفر المعصية في عموم الأسفار من جهة الدلالة! واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>