للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحد، أو التعزير بالسجن، أو بغيره، بل قد يصل التعزير إلى القتل من باب المصلحة؛ فللإمام -أحيانًا- أن يرفع التعزير إلى حد القتل حماية للمؤمنين؛ كما نجد الآن في المخدرات التي انتشرت واحتجنا في قطعها إلى رادع قوي؛ لأنها من أشنع الأمور التي تُفسِد الأمة، وإذا كان اللَّه تعالى يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ. . .} [البقرة: ١٧٩]، بمعنى أن الرجل إذا فكَّر وعلِم أنه إذا قَتَل قُتِل ارتدع؛ فكم من الأنفس سيُحافِظ عليها خشيةَ أن يُقتل قِصاصًا؛ لقتله بغير حق خارجًا عن حدود اللَّه؟!

وقد فرض اللَّه -سبحانه وتعالى- فرائض، وأمرنا ألَّا نُضيعها، وحَدَّ حدودًا، وأمرنا ألا نتجاوزها، وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس؛ فمَن اتَّقَى المشبهات استبرأ لدينه وعِرضه، ومَن وقع في الشبهات: كراع يَرعى حول الحِمَى يُوشك أن يُواقعه، ألا وإن لكلِّ مَلك حِمى، ألا إن حمى اللَّه في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فَسَدت فَسَد الجسدُ كله، ألا وهي القلب" (١).

"استبرأ لدينه"؛ أي: عَصم دينه وعَصم نفسه من الوقوع في الحرام والخطأ والجرائم (٢).

و"الحِمى": مكان محمي لغيره (٣)؛ فإذا قاربه لا يأمن أن تأتي دوابُّه فتدخل هذا الحِمى، فكذلك الذي يحوم حول الحرام يوشك أن يَرتع فيه؛ فعلى المسلم أن يَتجنب مثل هذه الأمور (٤).


(١) أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩).
(٢) يُنْظَر: "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" لأبي إسحاق بن قرقول (٤/ ٤٠٧)؛ حيث قال: " (فَقَد استبرأ لدينِه وعِرْضِه)؛ أي: حَمَى نفسه من الوقوع في المُشكل الحرام".
(٣) فأطلق المصدر على اسم المفعول؛ أي: المكان المحمي.
(٤) يُنْظَر: "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: ٤٧)؛ حيث قال: "هذا مَثَلٌ ضربه لمحارم اللَّه -عزَّ وجلَّ-، وأصله: أن العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها =

<<  <  ج: ص:  >  >>