وهذه الأحكام التي شرعها اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لعباده من العبادات، منها ما هو ركن كما عرفنا ذلك في الصلوات الخمس، وكما سيأتي -إن شاء اللَّه- في الزكاة وفي الصيام وفي الحج.
وهذه الأحكام المتعلقة بالصلاة إنما يقسمها العلماء إلى أقسام، فهناك ما هو ركن، الصلوات المفروضة الخمس، وهناك ما هو سنة باتفاق، ومنها ما هو مختلف فيه: هل هو فرض كفاية أو سنة؟
ويفرق العلماء بين الفروض العينية وبين فروض الكفاية (١)؛ لأن الفروض العينية تلزم كل شخص بعينه؛ أي: بنفسه، فالصلوات الخمس لا ينوب فيها أحد عن أحد، لكن بعض الأحكام إذا قام بها بعض المسلمين سقط الحكم عن الباقين، ومما اختلف فيه العلماء هذه الصلاة التي معنا: صلاة العيدين، وسنعرض لذلك إن شاء اللَّه: هل هي فرض كفاية أو هي سُنَّة؛ فقد اختلف العلماء في ذلك، ولكلٍّ أدلة يتمسك بها، أو وجهة نظر يقف عندها.
المؤلف -كما نرى- بدأ أول ما بدأ بما يتعلَّق بصلاة العيدين في حكم الغُسل، ولا شك أن الإنسان إذا أراد أن يصلي العيدين فإنه يحتاج إلى أن يتهيأ لذلك، ومِن أول ما ينبغي أن يتهيأ به: التطهر لهذه العبادة، ثم يعقب ذلك ما يتبعه من لبس الملابس الحسنة؛ اقتداء برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكننا قبل أن ندخل في خضم مسائل هذا الكتاب، نريد أن نعرض لكلمة (عيد).
(١) يُنظر: "تهذيب الفروق"، لمحمد بن علي (١/ ١٢٧)، وفيه قال: "فرض العين: مهم متحتم مقصود حصوله منظور بالذات إلى فاعله حيث قصد حصوله من عين مخصوصة، كالمفروض على النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم دون أمته، أو مِن كل عين عين؛ أي: واحد واحد من المكلفين. وفرض الكفاية: مُهم متحتم مقصود حصوله من غير نَظر بالذات إلى فاعله؛ أي: يُقصد حصوله في الجملة فلا يُنظر إلى فاعله إِلَّا بالتَّبع للفعل؛ ضرورة أن الفعل لا يحصل بدون فاعل، سواء كان دينيا؛ كصلاة الجنازة، أو دنيويًّا؛ كالصنائع المحتاج إليها". ويُنظر -أيضًا-، "روضة الناظر" لابن قدامة (١/ ١٢٢، ١٢٣).