للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم القيامة، رجل أعطى بي، ثُمَّ غَدر" (١)، وما أكثر الذين يحلفون الأيمان الكاذبة اليوم، يعاهدون في اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ثم ينقضون الأيمان من بعد توكيدها، ومعلوم أن هذا الحديث في "الصحيحين" (٢)، وجاء في بعض رواياته: "ومَن كنتُ خَصمه خَصمته" (٣)، ولا شك أن من كان خصمه اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فإنه سيضيع؛ لأن اللَّه سيحاسبه ويحاكمه بالعدل، واللَّه لا يظلم أحدًا.

"ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه حقه ولم يُعطه حَقَّه" (٤)، وهذا محل الشاهد، فانظر إلى ذلك الرجل الثالث الذي نمى مال أجيره، لو أراد أن يأكله لأكله، ولو أراد أن يعطيه ما كان له، لأعطاه وأخفى الباقي، لكنه جادت نفسه بذلك خشية للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وابتغاء مرضاته؛ ولذلك نجد أن من الثلاثة الذين خصمهم اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: رجل يعمل عنده إنسان عامل ضعيف في حرث، أو في زرع، أو في تجارة، أو في حمل، أو في بناء، أو في غير ذلك، ثم إذا جاء يطلب حقه نجد أن ذلك الرجل يمتنع عن حقه، هذا ممن يكون اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خصمهم يوم القيامة، ومن كان اللَّهُ -تعالى- خَصْمَه خَصَمَه.

ثم ثالثهم الرجل الذي ظل سنين يبحث عن أمرٍ تراوده نفسه أن يقع فيه، وهي جريمة من الجرائم، ومحرم من المحرمات، مع امرأة من أقرب الناس إليه، ومع ذلك تركها خوفًا من اللَّه، وأعطاها المالَ الذي احتاجته.

قال ابن رشد الحفيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" من الكتاب الثاني: كتاب الصلاة: قال:


(١) سيأتي بتمامه قريبًا.
(٢) ليس في "الصحيحين"، إنَّما في "صحيح البخاري" فقط.
(٣) أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثة أنا خَصمهم يوم القيامة، ومَن كنتُ خصمَه خَصَمته يوم القيامة. . . "، الحديث، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (٢٥٧٦).
(٤) أخرجه البخاري (٢٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>