وهي تمتنع وتقول له: اتق اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وتمضي السنون، وتأتي عليها سنة من السنين، ويصيبهم الجدب، فتحتاج إلى شيء من المال، فتذهب إلى ابن عمها ليعينها، فيأبى إِلَّا أن تقدم له نفسها في معصية اللَّه، وتمتنع، وفي المرة الثالثة تُوافق له على ذلك، ولما تهيأ له ما أراد، امرأة شغف بحبها وتعلق قلبه بها، ومعلوم أن الإنسان ضعيف أمام هذه الأمور، فالنفس الأمارة بالسوء تدفعه، والشيطان كذلك، فلما مكنته من نفسها، واستطاع أن يصل إليها، خَوَّفته بقولها:"اتَّقِ اللَّه، ولا تَفض هذا الخاتم إِلَّا بحقِّه"، فأخذته خشية اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فارتعد وقام وابتعد، فقال:"اللهم إن كنت تعلم أني إنما تركت ذلك من خشيتك فافرج عنا"، ففرج اللَّه عنهم ما كانوا فيه من غم.
نعود لنعلق على هذه الحادثة، وهو ما يهمنا:
الأول -كما نرى- بارٌّ بوالديه، واللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة: ٨٣]، ولا شك أن ذلك الرجل قد بلغ الغاية في الإحسان إلى والديه، وقد ألزم نفسه بأن يقف ومعه إناء اللبن يُحيي ليله، ويشق عليه أن يسقي أبناءه ولا حرج عليه في ذلك، أو أن يذوق طعمه بفِيه، أو أن يعطي أهله؛ إكرامًا لوالديه، ففي موضع الرخاء تذكر ربَّه، فحفَظه اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فأعانه في موضع الشدة.
فأين نحن من هذا العمل؟ هل نؤدي حقوق والدينا؟ هل نبر بهما؟ هل نسمع كلامهما؟ هل نُخاطبهما بلين وبرفق؟ هل نخفض جناح الذل لهما؟ (١).
لا نريد أن نعلق كثيرًا على هذه المسألة؛ لأن المقام لا يسمح، لكنني أعود إلى الثاني، وأقول: الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -كما في حديث أبي هريرة-: قال اللَّه تعالى -يعني في الحديث القدسي-: "ثلاثة أنا خصمهم
(١) أي: أَلِنْ لهما جانبك، وخَفَضَ له جناحه: مَجاز. والجناح: نفس الشيء. انظر: "تاج العروس"، للزبيدي (٦/ ٣٥٠).