ومن ميزات المؤلف رَحِمه الله: أنه لا يتعصب لرأيه، بل يعرض الآراء، وإذا أراد أن يوازن بينها ليرجح، فإنه يجتهد في الأخذ بالرأي الذي توافقه الأدلة، وكثيرًا لا يرجح، لكنه إذا ناقش المسائل وحررها لا يتعصب لمذهبه، وهذا هو شأن طالب العلم أنى كان ومهما انتسب إلى أي مذهب من المذاهب، فإن الذي يرجع إليه إنما هو كتاب الله عزَّ وجلَّ وإن الواجب على كل مسلم إذا تبين له الحق في الكتاب أو السنة أن يقف عندهما ولا يتجاوزهما إلى غيرهما، ولا يوفق إلى هذا إلا الذي يعرف الأحكام ويدقق فيها، أما من لا يعلم فليس له أن يجتهد في هذه المسائل.
معلوم أن مالكًا رَحِمه الله يعنى بإجماع أهل المدينة وأقوالهم؛ لأنه ولد في هذه المدينة ونشأ وترعرع وتعلم فيها، وكان يدير درسه وحلقته في المسجد النبوي الكريم، وكانت تضرب إليه أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاربها ليُنهل من علمه.
قوله:(وأصل هذا … إلخ). يعني كان الرجل يهب جاره أو قريبه أو غيرهما، ثم يأخذ هذا الموهوب له في التردد على هذا البستان، فربما ضايق صاحب البستان، وكان الغالب فيما مضى أن أصحاب البساتين يحضرون أبناءهم وعوائلهم إليها ليقضوا فصل الصيف في بساتينهم، فيأكلوا مما فيها من الرطب والثمار؛ فيتضايق صاحب هذا البستان من تكرار هذا الترداد؛ فيرجع عليه ويشتريها منه. هذا هو المراد.