للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهبه مثله أو يكتب له ما فيه الخير، وأن يديم الخير والنعمة على أخيه ويزيده من فضله، فهذه هي طهارة النفس التي بها يصفو بها الإنسانُ ويسمو إلى هذا المقام الرفيع الجليل.

والإنسان - في حقيقة الأمر - إنما تكون نظرته قاصرةً؛ لأنه لا يعلم الغيب، ولذلك فإنه لا يدري حكمة الله فيما قَسَمَه بين عباده، فربما يكون هذا الرجل قد أُعْطِيَ هذا الأمرَ من أُمور الدنيا وتكون أنتَ قد ادُّخِرَت لك أمور أعظم منه في الآخرة، بحيث يعوضك الله سبحانه وتعالى عن هذا بحسناتٍ يرفعك بها درجاتٍ يوم القيامة، فكلُّ هذه الأُمور إنما هي من الأُمور الغيبية التي لا يمكن أن يدركها العبدُ.

فعلى المسلم دائمًا أن يحسن الظن بالله، وأن يكون على عِلمِ يقينيٍّ بأنه إن أخلَصَ العمل لوجه الله وحده، فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجرَ عمل عاملٍ من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، وأنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين.

ولا شَكَّ أن عمر - رضي الله عنه - قد كان مُسَدَّدًا في اجتهاده الذي اجتهد فيه، وتَوَقُّفِهِ أمام آيات سورة الحشر وإمعان النظر فيها، رأى في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} خطابًا عامًّا للخلق أجمعين في كل الأمكنة والأزمنة، فقال حينئذٍ: "لا أرى هذه الآية إلا عَمَّت الخَلق، حتى الراعيَ بكداء"، وقال كذلك: "لئن بقيتُ بعد أن كَثُرَت الغنائم وتوالت على المؤمنين لَتَصلَنَّ هذه الأموالُ إلى من كان بسور حمير - أي: من كان بالأماكن المرتفعة باليمن - وإن لم يَعرَق له جبين" (١). أي: وإن لم يبذل جهدًا في مقابِلِها.

وذلك إنما هو بسبب بقاء هذه الأموال، وأنه سيُوَزَّعُ بحيث يشمَل خيرُهُ ويعمُّ حتى الراعي الذي يرعى في غورٍ من الأغوار بين جَبَلَين.

وقد صار الأمر إلى ذلك - بفضل الله سبحانه وتعالى -، بحيث قد تنوعَت الخيرات وتعدَّدَت بصورةٍ تَفوقُ ما كان مُتَوَقَّعًا، مما يجب علينا معه أن


(١) سيأتي تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>