آخر؛ ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه من أعمال، على أن يكون له جزء معلوم من الثمر، أي: مما تخرج هذه الأشجار أو الزروع من الثمار، سواء كان نصفًا أو ربعًا أو ثلثًا أو أقل أو أكثر، هذا هو وصف المساقاة.
والأمر فيها - أيضًا - كالمضاربة فليس كل الناس عنده الخبرة في أمور الزراعة، فربما تكون له مزرعة ورثها، أو يكون قد عجز عن العمل فيها، فيحتاج إما إلى من يعمل فيها عن طريق الأجرة، وإما أن يسلمه إلى آخر؛ ليعمل فيها مقابل جزء معلوم من الربح.
وبعض الناس قد لا يجد أجرة ليستأجر العمال للعمل، وربما يجد لكنه لا يمكن أن يحصل الإحكام والإنتاج الذي يحصل لو تولاها إنسان غيره؛ لأنه إذا سلمها للآخر، وعلم أن له جزءًا معلومًا من الربح، أي: أنه شريك في ذلك، فسيجد ويجتهد، وسيبذل كل طاقته وغاية جهده؛ ليصل بها إلى أعلى مستوى، حتى يستفيد هو ويفيد غيره، لكن العامل مهما كان مخلصًا، فإنه يعمل بأجر، فلا يكون كالذي يعمل لنفسه، ومن هنا كانت المساقاة طريقًا.
والمساقاة لا تقوم على عمل واحد هو السقي، بمعنى أن الأشجار يرسل عليها الماء فحسب، بل إنها تحتاج إلى عناية، وهناك من الأشجار ما يحتاج إلى التلقيح، هناك أيضًا قطع الأشجار، هناك تنقيتها هناك حفر الآبار، هناك إجراء المياه، هناك التنظيف، أشياء كثيرة جدا، وإنما سميت بالمساقاة؛ لأن أهم ما تقوم عليه هذه المعاملة هو السقي، والسقي إنما هو إرسال الماء إليها، ولا شك أن هذا الماء له مكانة عظيمة كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠] فلا يستطيع إنسان أن يعيش بدون الماء، ولا يستطيع نبات أن يبقى قائما على ساقيهِ دون ماء أيضًا، وكذلك الحيوان، فهو إذن ضروري لحياة الإنسان والحيوان
= على أن يعمره ويسقيه ويقوم بمصلحته، وللعامل سهم مما تغله، والباقي لمالك النخل، وأهل العراق يسمونها المعاملة. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١٤/ ٣٩٤)، و"أنيس الفقهاء" للقونوي (ص ١٠٢).