الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف خلقه محمَّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وبعد:
اعلم أنَّه لم يَزَلِ الحديث النَّبويُّ، والإسلامُ غضٌّ طريٌّ، والدِّين مُحكَمُ الأساسِ قويٌّ، أشرفَ العلوم وأجلَّها لدى الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم خلفًا بعد سلفٍ، لا يشرُف بينهم أحد بعد حفظ التَّنزيل إلَّا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظُم في النُّفوس إلَّا بحسب ما سُمِعَ من الحديث عنه، فتوفَّرت الرَّغبات فيه، وانقطعت الْهِمَم على تعلُّمه، حتَّى رحلوا المراحل ذوات العَدَد، وأفنَوا الأموال والعُدَد، وقطعوا الفيافي في طلبه، وجابوا البلاد شرقًا وغربًا بسببه.
… فمارسوا الدَّفاتر، وسايَرُوا المحابر، وأجالوا في نَظْم قلائده أفكارَهم، وأنفقوا في تحصيله أعمارَهم، واستغرقوا لتقيِيده ليلَهم ونهارَهم، فأبرزُوا تصانيفَ كَثُرَت صنوفُها، ودوَّنُوا دواوين ظهرت شفوفها، فاتَّخذها العالِمُون قدوةً، ونصبها العامِلُون قِبْلَةً، فجزاهم الله ﷾ عن سَعيِهم الحميد أحسنَ ما جزى به علماءَ أمَّةٍ وأحبارَ مِلَّةٍ (١).