إنّ قيمة أي كتاب لا تظهر دائمًا في شُهرة صِيته، وذيوع خبره، واشتهار أمره، فكثيرًا ما ترجع قِيمة الكتاب إلى خدمته من قِبَل الآخرين، ومدى إعجاب المتخصصين به. فالكتاب إذا كان طريفًا في موضوعه، جديدًا في بنائه، فإنه يثير فضول الباحثين، فيتعرضون له إما بالنَّقد، أو بالاستدراك، أو بالشَّرح والبيان لما غَمض منه، أو بالتَّذييل عليه فيما أغفله، أو بِرَدِّ بعض محتوياته، أو بتعديلها.
ولا ريب أن هِمَم الباحثين في الغالب لا تتجه هذه الوجهة إلا إذا كان الكتاب جديرًا بذلك، فإن لم يكن كذلك فإنه يُنسَى مع الزمن، خاصة إذا كان صاحبه خامل العلم، حسير القلم.
ولذا كم من مؤلفات نُسيت بنسيان أصحابها، وماتت بموتهم، وكم من كتاب ما زالت الأقلام تتناوشه، وتعتوره، وقد مر على موت صاحبه حينٌ من الدهر.
وهذا "كتاب المُستدرك على الصَّحيحين" لأبي عبد الله الحاكم، كم من طاقات جُنِّدت لتتبعه وترصده في كل كلمة سطرها، فكُتِبت حوله العديد من الكتب المتنوعة … واستمر فيه الأخذ والرد طيلة قرون.
وبناءً عليه، فالكتاب الذي لم يُختبر من طرف الباحثين الآخرين يبقى سرمدًا حاملًا بذورَ النَّقص، وما نُقِّح وهُذِّب أحسنُ مما لم يكن كذلك، وما تعاورته الأقلام والألسن فصمد لها هُو الذي يقدر على أن يَصْمد أمام التَّحديات، ويقدر على الوفاء بمتطلبات الحياة (١).