للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرض الكفائى، أن يعلم ماكان عليه الناس فى عصر النبوة من العرب وغيرهم، لأن القرآن ينادى بأن الناس كلهم كانوا فى شقاء وضلال، وأن النبى صلى الله عليه وسلم بُعث به لهدايتهم وإسعادهم، وكيف يفهم المفسِّر ما قبَّحته الآيات من عوائدهم على وجه الحقيقة أو ما يقرب منها، إذا لم يكن عارفاً بأحوالهم وما كانوا عليه؟

هل يُكتَفى من علماء القرآن - دعاة الدين والمناضلين عنه بالتقليد - بأن يقولوا تقليداً لغيرهم: إن الناس كانوا على باطل، وإن القرآن دحض أباطيلهم فى الجملة؟ كلا.

وأقول الآن: يُروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: "إن جهل الناس بأحوال الجاهلية هو الذى يُخشَى أن ينقض عُرى الإسلام عُروة عروة".

(انتهى بالمعنى) .

والمراد: أن مَن نشأ فى الإسلام ولم يعرف حال الناس قبله، يجهل تأثير هدايته، وعناية الله بجعله مُغيِّراً لأحوال البَشر، ومُخْرِجاً لهم من الظلمات إلى النور، ومَن جهل هذا يظن أن الإسلام أمر عادى، كما ترى بعض الذين يتربون فى النظافة والنعيم يعدون التشديد فى الأمر بالنظافة والسواك من قبيل اللغو، لأنه من ضروريات الحياة عندهم، ولو اختبروا غيرهم من طبقات الناس لعرفوا الحكمة فى تلك الأوامر، وتأثير تلك الآداب من أين جاء؟

خامسها: العلم بسيرة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كانوا عليه من علم وعمل، وتصرف فى الشئون دنيويها وأُخرويَّهَا.

هذه هى عبارة الأستاذ الشيخ رشيد رضا بنصها، وفيها تركيز وإدماج لبعض ما قلناه من قبل، وفيها شرح وإيضاح لبعض آخر منه، وهى تُلقى ضوءاً على ما تقدَّم، وتُوضِّح بعض ما فيه من إيجاز.

* *

* مصادر التفسير:

خرجنا من المعركة التى قامت بين المتحرجين من القول فى التفسير بالرأى والمجيزين له: بأن الخلاف لفظى لا حقيقى، وأسفرت النتيجة عن انقسام التفسير بالرأى إلى قسمين: قسم جائز ممدوح، وقسم حرام مذموم، وعرفنا العلوم التى يجب على المفسِّر معرفتها حتى يكون أهلاً للتفسير بالرأى الجائز، وبقى علينا بعد ذلك أن نذكر المصادر التى يجب على المفسِّر أن يرجع إليها عند شرحه للقرآن، حتى يكون تفسيره جائزاً ومقبولاً، وإليك أهم هذه المصادر:

<<  <  ج: ص:  >  >>