وأنا أستمع - حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله: كُفّ عن هذه القراءة. اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام اقرأ كتاب الله تعالى على حدة، وأخرج المصحف الذى كتبه علىّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جمعته بين اللوحين. فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما واللهِ ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علىّ أن أخبركم حين جمعته لقراءته.
ومن ذلك ما روى عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه: أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علىّ عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم. فلما فتحه أبو بكر خرج فى أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علىّ.. اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علىّ عليه السلام وانصرف، ثم حضر زيد بن ثابت - وكان قارئاً للقرآن - فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتُسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علىّ القرآن الذى ألَّفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟. ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبَّر فى قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك.. فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليه القرآن فيحرقوه فيما بينهم فقال: يا أبا الحسن؛ إن كنتَ جئت به إلى أبى بكر فأت به إلينا حتى نجمع عليه، فقال علىّ عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئتُ به لأبى بكر لتقوم به الحُجَّة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به. إن القرآن الذى عندى لا يمسه إلا المطهَّرون والأوصياء من ولدى، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علىّ عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدى فيُظهره ويحمل الناس عليه فتجرى السُّنَّة به".
ولكنَّا نجد صاحبنا بعد ما ساق هذه الروايات وكثيراً غيرها يقف منها موقف المستشكل فيقول: "ويرد على هذا كله إشكال.. وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شئ من القرآن، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرَّفاً ومغيَّراً، أو يكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا فى القرآن حُجَّة أصلاً، فتنفى فائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك، وأيضاً قال الله عَزَّ وجَلَّ:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت: ٤١-٤٢] ، وقال: