قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك فى صدور بعضها منهم وتأويل الجميع بأن الزيادة والنقيصة والتغيير إنما هى فى مدركاتهم من القرآن لا فى لفظ القرآن كلغة، ولا يليق بالكاملين فى مخاطباتهم العامة، لأن الكامل يخاطب بما فيه حظ العوام والخواص، وصرف اللَّفظ عن ظاهره من غير صارف، وما تواهموه صارفاً من كونه مجموعاً عندهم فى زمن النبى، وكانوا يحفظونه ويدرسونه، وكانت الأصحاب مهتمين بحفظه عن التغيير والتبديل، حتى ضبطوا قراءات القُرَّاء وكيفيات قراءاتهم.
فالجواب عنه: أن كونه مجموعاً غير مُسَلَّم، فإن القرآن نزل فى مدة رسالته إلى آخر عمره نجوماً، وقد استفاضت الأخبار بنزول بعض السور وبعض الآيات فى العام الآخر، وما ورد من أنهم جمعوه بعد رحلته، وأن علياً جليس فى بيته مشغولاً بجمع القرآن، أكثر من أن يمكن إنكاره. وكونهم يحفظونه ويدرسونه مُسَلَّم، لكن كان الحفظ والدرس فيما كان بأيديهم، واهتمام الأصحاب بحفظه وحفظ قراءات القُرَّاء وكيفيات قراءاتهم كان بعد جمعه وترتيبه، وكما كانت الدواعى متوفرة فى حفظه، كذلك كانت متوفرة من المنافقين فى تغييره. أما ما قيل: إنه لم يبق لنا حينئذ اعتماد عليه، والحال أنَّا مأمورون بالاعتماد عليه، واتباع أحكامه، والتدبر فى آياته، وامتثال أوامره ونواهيه. وإقامة حدوده، وعرض الأخبار عليه، لا يعتمد عليه صرف مثل هذه الأخبار الكثيرة الدالة على التغيير والتحريف عن ظواهرها، لأن الاعتماد على هذا المكتوب ووجوب اتباعه، وامتثال أوامره ونواهيه، وإقامة حدوده وأحكامه، إنما هى للأخبار الكثيرة الدالة على ما ذُكِر، للقطع بأن ما بين الدفتين هو الكتاب المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم من غير نقيصة وزيادة وتحريف فيه. ويُستفاد من هذه الأخبار: أن الزيادة والنقيصة والتغيير إن وقعت فى القرآن لم تكن مخلة بمقصود الباقى منه، بل نقول: كان المقصود الأهم من الكتاب الدلالة على العترة والتوسل بهم، وفى الباقى منه حُجَّتهم أهل البيت، وبعد التوسل بأهل البيت إن أمروا باتباعه كان حُجَّة قطعية لنا ولو كان مغيراً تغييراً مخلاً بمقصوده، وإن لم نتوسل بهم أو لم يأمروا باتباعه، وكان التوسل به، واتباع أحكامه، واستنباط أوامره ونواهيه، وحدوده، وأحكامه، من قِبَل أنفسنا كان من قِبَل التفسير بالرأى الذى منعوا منه، ولو لم يكن متغيراً".
* *
* نزول القرآن فى شأن الأئمة وأشياعهم وأعدائهم:
ويرى المؤلف أن القرآن نزل بتمامه فى الأئمة الإثنا عشر بوجه، ونزل فيهم وفى