فمثلاً عندما تكلَّم عن قوله تعالى فى الآية [٧٥] من سورة النساء: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هاذه القرية الظالم أَهْلُهَا واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} .. يقول عند تفسيره لقوله تعالى:{رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هاذه القرية} ... الآية:"إن كان النزول فى ضعفاء قِلَّة فلا اختصاص لها بهم كما فى الخبر. فالقرية مكة وكل قرية لا يجد الشيعة فيها ولياً من الإمام ومشايخهم، وكل قرية وقع بها الأئمة بين منافقى الأُمة، وقرية النفس الحيوانية التى لا يجد الجنود الإنسانية فيها ولياً ويطلبون الخروج منها إلى قرية الصدر ومدينة القلب. ويسألون الحضور عند إمامهم أو مشايخهم فى بيت القلب خالياً عن مزاحمة الأغيار بقولهم:{واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} .. تكرار "جعل"، لأن مقام التضرع والابتهال يناسبه التطويل والإلحاح فى السؤال، ولأن المسئول ليس شخصاً واحداً، ولو كان واحداً، لم يكن مسئولا من جهة واحدة، بل المسئول محمد صلى الله عليه وسلم وعلىّ، أو المسئول محمد من جهة هدايته ومن جهة نُصْرته، وعلىّ كذلك".
"وقد بقى بين الصوفية أن يكون التعليم والتلقين بتعاضد نفسين متوافقتين، يسمى أحد الشخصين هادياً والآخر دليلاً، والشيخ الهادى له الهداية وتولى أمور السالك فيما ينفعه ويجذبه، والشيخ الدليل ينصره لمدافعة الأعداء، ويخرجه عن الجهل والردى بدلالة طريق التوسل إلى شيخ الهدى، وفى الآية إشارة إلى أن السالك ينبغى له أن يطلب دائماً حضوره عند شيخه بحسب مقام نورانيته ومقام صدره، وهو معنى انتظار ظهور الشيخ فى عالم الصغير، وأما ظهور الشيخ بحسب بشريته على بشرية السالك، فلا يصدق عليه أنه لدن الله، وإذا ظهر الشيخ بحسب النورانية كان ولياً من لدن الله ونصيراً من لدنه".
ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٨٧] من سورة المائدة: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين} .. يقول: ".. اعلم أن الإنسان ذو مراتب عديدة بعضها فوق بعض إلى ما لا نهاية له، والتكاليف الإلهية الواردة عليه ليست لمرتبة خاصة منه، بل - ما عرفتَ سابقاً - للمفاهيم الواردة فى التكاليف مصاديق متعددة بتعدد مراتب الإنسان. بعضها فوق بعض، فكل ما ورد فى الشريعة المطهَّرة من الألفاظ فهى مقصودة من حيث مفاهيمها العامة باعتبار جميع مصاديقها بحيث لا يشذ عنها مصداق من المصاديق، فالإنسان