للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحسب مرتبته النباتية له محللات إلهية، وبحسب مرتبته الحيوانية أخرى، وبحسب الصدر أخرى، وبحسب القلب أخرى، وبحسب الروح أخرى، والتحريم الإلهى فى كل مرتبة بحسبه، وكذا تحريم الإنسان على نفسه، فالمحللات بحسب مرتبته الحيوانية والنباتية: ما أباح الله له من المأكول، والمشروب، والملبوس، والمركوب، والمنكوح، والمسكون، والمنظور، وبحسب الصدر: ما أباح الله له من الأفعال الإرادية، والأعمال الشرعية، والتدبيرات المعادية والمعاشية، والأخلاق الجميلة، والمكاشفات الصورية، وبحسب القلب: ما أباح الله له من الأعمال القلبية، والواردات الإلهية، والعلوم اللدنية، والمشاهدات المعنوية الكلية.. وهكذا فى سائر المراتب. والطيبات من ذلك فى كل مرتبة: ما تستلذه المدارك المختصة بتلك المرتبة، ومطلق المباح فى كل مرتبة طيب بالنسبة إلى مباح المرتبة الدانية منه، وأن الله تعالى يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه، ولا يحب الشره والاعتداء فى رخصه بحيث يؤدى إلى الانتقال إلى ما هو حرام محظور بأصل الشرع، أو بحيث يؤدى إلى صيرورة المباح حراماً بفضل التجاوز عن حد الترخيص بالإكثار فيه، كما لا يحب الامتناع عن رخصه، فمعنى الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تمتنعوا من الرخص، ولا تحرِّموا - بقسم وشبهة، ولا بكسل ونحوه - على أنفسكم ما تستلذه المدارك بحسب كل مرتبة وقوة مما أباحه الله لكم، لأن الله يحب أن يرى عبده مستلذاً بما أباحه له، كما يحب أن يراه مستلذاً بعباداته ومناجاته، ولا

تمتنعوا بالاكتفاء بمستلذات المرتبة الدانية عن مستلذات المرتبة العالية، فإنه يحب أن يرى عبده مُصِّراً على طلب مستلذات المرتبة العالية، كما يحب أن يراه فى هذه الحالة معرضاً عن مباحات المرتبة الدانية، مكتفياً بضرورياتها وراجحاتها. ولا تعتدوا عما أباح الله إلى ما حظره، وفى المباح إلى حد الحظر. والآية إشارة إلى التوسط بين التفريط والإفراط فى كل الأُمور من الأفعال والطاعات والأخلاق والعقائد والسير إلى الله، فإن المطلوب من السائر إلى الله أن يكون واقعاً بين إفراط الجذب وتفريط السلوك"..

ثم بعد ذلك فسَّر قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً واتقوا الله الذي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: ٨٨] بما يشبه التفسير السابق.. ثم بعد ذلك ذكر أن الآية نزلت فى علىّ وبلال وعثمان بن مظعون، فأما علىّ فحلف أن لا ينام بالليل، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأما عثمان ابن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبداً، فلما علم بذلك رسول الله خرج على الناس ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال أقوام يُحرِّمون على أنفسهم الطيبات؟ إنى أنام الليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سُنَّتى فليس منى"، فقام

<<  <  ج: ص:  >  >>