ومرجوح عنده، فحلف على ترك المرجوح. أو يقال: إن علياً لما كان شريكاً للرسول صلى الله عليه وسلم فى تكميل السلاك لقوله: "أنت منى بمنزلة هارون من موسى"، وكان له شأن الدلالة، ولمحمد شأن الإرشاد، والمرشد بنشأته النبوية شأنه تكميل السالك بحسب نشأة السلوك، وإن كان بنشأته الولوية وشأن الإرشاد شأنه التكميل بحسب الجذب، والدليل بنشأته الولوية شأنه التكميل بحسب نشأة الجذب، وإن كان بنشأته النبوية وشأن الدلالة شأنه التكميل بحسب السلوك فالدليل بولايته يقرب السالك إلى الحضور، ويعلمه آداب الحضور، وطريق العبودية، من عدم الالتفات إلى ما سوى المعبود، وطرح جميع العوائق من طريقه، والمرشد بنبوته يُبعده عن الحضور، ويُقربه إلى السلوك، ويرغبه فيه، فهما فى فعلهما كالنشأتين: متضادان متوافقان، فأمير المؤمنين لما رأى بلالاً وعثمان مستعدين لنشأة الجذب، رغَّبهما إلى تلك النشأة بطرح المستلذات وترك المألوفات، وشاركهما فى ذلك ليستكمل بذلك شوقهما ويتم جذبهما، ولما مضى مدة ورأى الرسول أن عودهما إلى السلوك أوفق وأنفع لهما، ردهما إلى نشأة السلوك، وعاتبهما بألطف عتاب، ولا يرد نقص على أمير
المؤمنين. ولما قالوا بعد عتابه: قد حلفنا.. نزل {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ}[البقرة: ٢٢٥، المائدة: ٨٩] ، وهو الذى يؤتى به للتأكيد فى الكلام كما هو عادة العوام".. إلخ.
فأنت ترى من هذين المثالين السابقين، أن المؤلف يفيض فى الناحية الصوفية فى تفسيره للآيات، كما أنه لم يخل تفسيره الصوفى من التشيع لعلىّ وذُرِّيته بل ومن اتخاذه مخرجاً يخرج به من الإشكالات التى ترد عليه.
* *
* من التفسير الفلسفى:
كذلك نجد المؤلف فى كثير من الأحيان يخلط البحوث الفلسفية بتفسيره للآيات القرآنية، فمثلاً فى أول سورة الإسراء نراه يحقق أن المعراج كان بجسده وروحه عليه السلام، ويرد على الفلاسفة الذين ينكرون ذلك، ويقدم لبحثه هذا بمقدمة كلها نظريات فلسفية مخلوطة ببعض خرافات منسوبة إلى الإمام علىّ رضى الله عنه، وذلك حيث يقول:
"العالَم ليس منحصراً فى هذا العالَم المحسوس المعبَّر عنه بعالَم الطبع بسماواته وأرضيه، بل فوقه البرزخ، وهو عالَم بين عالَم الطبع وعالَم المثال، وله الحكومة على عالَم الطبع والتصرف فيه أى تصرف شاء، من الإحياء والإماتة، وإيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، وستر المحسوس، وإظهار غير المحسوس بصورة المحسوس. ومنه طى