للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، ومنها قوله: "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن" (١) . فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره خشية أن يختلط بشيء آخر، وعلى أي الأحوال فإن قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعلي مصحف مثل بعض الصحابة كابن مسعود وغيره (٢) . وهذا لا يتضمن الطعن في كتاب الله سبحانه.

ولكن الرواية لم تكتف بهذه الدعوى، بل قالت بأنه جاء به إلى الصحابة ودعاهم إليه فقال عمر - كما يزعمون -: "ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه" (٣) . وما دام قرآن علي المزعوم لم يكن كله قرآناً بل اشتمل على التفسير والآيات المنسوخة فإن الأصل الرجوع إلى المصحف الإمام فهو يغني عن غيره. لذا عادت هذه الزمرة التي وضعت في هذا الأسطورة لتتوسع في سبكها، وعرضها، ولعب فيها الخيال الحاقد دوره أكثر وأكثر فتحولت هذه الزيادة الأخيرة عند الطبرسي (من القرن السادس) في الاحتجاج إلى صورة أخرى كطبيعة الكذب الذي يزيد وينقص، تحولت إلى صراع بين علي وصحابة رسول الله - رضي الله عن الجميع وبرأهم الله مما يفتري المفترون -.

فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردوا مصحف علي حينما جاء به لأول وهلة، فإن رواية الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه "فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحه فضائح القوم" (٤) . وهي هنا تقدم لنا موضوعاً من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أن رواية سليم لا تتعرض لكتاب الله بطعن صريح، وهذا لا يطفئ الحقد الذي أكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الأول


(١) رواه مسلم، كتاب الزهد رقم ٧٢ ص٢٢٩٨-٢٢٩٩، والدارمي، مقدمة رقم ٤٢ ص ١١٩، وأحمد في مسنده: ٣/١٢، ٢١، ٣٩. قال أهل العلم: إن النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط. (النووي/ شرح صحيح مسلم: ١٨/١٣٠، الأبي/ إكمال إكمال المعلم: ٧/٣٠٥)
(٢) انظر: ابن أبي داود/ كتاب المصاحف: ص ٦٠ وما بعدها
(٣) كتاب سليم بن قيس: ص ٨٢
(٤) الاحتجاج ص ١٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>