للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عياش المتفق على ضعفه - كما أسلفنا - عن سليم وفيها: "أن علياً لزم بيته حتى جمعه وكان في الصحف والرقاع" (١) . واعتذر عن المسارعة إلى بيعة أبي بكر بانشغاله بجمع القرآن فقال - لما بعث إليه أبو بكر لطلب البيعة -: "إني آليت على نفسي يميناً ألا أرتدي رداءً إلا للصلاة حتى أولف القرآن وأجمعه" (٢) . ومثل هذه الدعوى وردت في بعض كتب أهل السنة ولكنها لم تثبت بسند صحيح، ولهذا قال ابن حجر: وما يروى عن علي أنه قال: "آليت ألا آخذ ردائي إلا للصلاة حتى أجمع القرآن"، فجمعه فإسناده ضعيف لانقطاعه، وعلى تقدير أن يكون محفوظاً فمراده بجمعه حفظه في صدره، وما وقع في بعض طرقه: "حتى جمعته بين اللوحين" فوهم من روايه" (٣) .

قال ابن حجر: "وأصح منه وهو المعتمد ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر - رحمة الله على أبي بكر - وهو أول من جمع كتاب الله" (٤) .

هذا وتصف رواية سليم جمع علي للقرآن بأنه لم يكن كله قرآناً بل جمع "تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ منه" (٥) ، وهذا رغم أنه لم يصح من أصله إلا أنه يدل على أنه ليس وفق الأصول التي أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- لجمع


(١) كتاب سليم بن قيس: ص٨١
(٢) كتاب سليم بن قيس: ص٨١، ولاحظ في هذا النص المنقول أن علياً لم يعتذر عن المبادرة لبيعة أبي بكر إلا بانشغاله بجمع القرآن، ولم يعتذر بشيء آخر، فكأن الواضع لهذه الحكاية نسي القضية الأساسية عندهم وهي مسألة الإمامة، وأن علياً لم يبايع في نظرهم بسبب أنه يرى أنه هو الوصي المنصوص عليه وهذه سمة مطردة في كثير من المسائل التي يريدون إثباتها.. حيث يثبتونها من وجه تنتفي معه العقيدة الأخرى، وهذه سمة الوضع والكذب على الدوام: الاختلاف والتناقض، كما قال سبحانه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (النساء، آية: ٨٢) . فهذه الآية تدل على أن كل من يزعم أنه من عند الله وهو ليس من عند الله فلا محيص من وقوعه في فخ الاختلاف والتناقض ...
(٣) فتح الباري: ٩/١٢-١٣. وانظر كتاب المصاحف لابن أبي داود ص ١٦
(٤) فتح الباري: ص ٩/١٢
(٥) كتاب سليم بن قيس: ص٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>