للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اخْتَلَفَ (١) أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْتُمْ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا نَقَلْتُمْ وَبِغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْفَقِيرَ أَشَدَّ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَلِأَمْثَالِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ - رحمه الله - اخْتِلَافَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ، وَاحْتِجَاجَ كُل فَرِيقٍ مِنْهُمْ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِحُجَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِمَا أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ يَجْمَعُهُمَا الْحَاجَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا مَا يَتَقَوَّتَانِهِ، إِمَّا لِكَثْرَةِ (٢) الْعِيَالِ أَوْ قِلَّةِ مَا بِأَيْدِيهِمَا، وَالْفَقِيرُ أَشَدُّهُمَا حَالًا؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَقْرِ، وَهُوَ كَسْرُ الْفَقَارِ (٣)، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى: مَفْعُولٌ، فَكَأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ زَمَانَةٍ أَقْعَدَتْهُ عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَ حَاجَتِهِ، وَبِهَا سُمِّيَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحَاجَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ، وَلَا يَكُونَ (٤) سَوِيَّ الْجَوَارِحِ مُكْتَسِبًا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلدَّاهِيَةِ الشَّدِيدَةِ: فَاقِرَةٌ، وَجَمْعُهَا فَوَاقِرُ، وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْفَقَارَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} (٥).

وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ (٦) فِي احْتِجَاجِ مَنْ جَعَلَ الْفَقِيرَ أَمَسَّ (٧) حَاجَةً بقَوْلِهِ تَعَالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (٨): سَمَّاهُمُ اللَّهُ الْمَسَاكِينَ


(١) في النسخ: "اختلاف"، والمثبت من المختصر.
(٢) في النسخ: "الكثرة"، والمثبت من أصل النقل من الزاهر.
(٣) أي: فقار الظهر.
(٤) زاد هنا في (م): "له".
(٥) سورة القيامة (آية: ٢٥).
(٦) في النسخ والمختصر: "الأهوازي"، والكلام متصل في النقل عن الأزهري من كتابه الزاهر.
(٧) في (م): "أشد".
(٨) سورة الكهف (آية: ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>