للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسحار وهو في موضعه نكرة، فلا مانع له من الصّرف والتمكّن، ونقول: إنّ سحرًا جزء من آخر اللّيل، وفي سحر وقع الأمر») (١).

ــ المثال الثاني: يقول سيبويه: «واعلم أَنَّه لا يجوز أَنْ تقول: قومُك نِعمَ صغارُهم وكبارهم، إلا أَنْ تقول: قومك نعمَ الصغار ونعم الكبار، وقومُك نعمَ القومُ؛ وذلك لأَنَّكَ أردت أَنْ تجعلهم من جماعات ومن أمم كلهم صالحٌ، كما أَنَّك إذا قلت عبدُ الله نعمَ الرجل، فَإِنَّما تريد أَنْ تجعله من أمةٍ كلهم صالح، ولم ترد أَنْ تعرف شيئا بعينه بالصلاح بعد نعمَ») (٢).

إن سيبويه يريد أَنْ يقول إنَّ جملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» لا تجوز إذا أراد المُتَكَلِّم تعميم الصلاح على الجميع؛ أي أَنَّ الجملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» لا تفيد التعميم، والبديل الذي يقال مكانها: «قومك نعم الصغار، ونعم الكبار» أو «قومك نعم القوم». والسؤال

هنا: لماذا لا تفيد جملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» هذا العموم؟

يمكن أنْ نقدم إجابتين على هذا السؤال، وكلاهما ــ فيما أظن ــ مرتبط بسياق الحال:

• الإجابة الأولى: فكلمة «كبارهم» يمكن أَنْ تعرب في سياق ما مبتدأ خبرها محذوف مثلا؛ فتخرج الجملة عن المعنى الذي يقصده المُتَكَلِّم، ويظهر هذا جليًّا في النطق الصوتي للجملة بأن يبدأ المُتَكَلِّم بنَغْمَة مرتفعة ويقول الجملة «قومك نعم صغارهم»، وينهيها بنَغْمَة هابطة، ثُمَّ يبدأ بنَغْمَة مرتفعة كلمة «وكبارهم» ويصمت مع استصحاب أَيَّة إشارة جسدِيَّة تفيد السخرية والاستهزاء مثلا. أى أَنَّ الجملة بهذا الشكل قد تلتبس على المخاطب؛ لذلك منع سيبويه هذه الجملة بهذا الشكل إذا كان مراد المُتَكَلِّم تعميم الصلاح. وعلى ذلك أيضا فَإِنَّ السِّياق لو دَلَّ على أَنَّ المُتَكَلِّم يمدح صغار القوم ويُخرج الكبار عن هذا المدح لجازت العبارة وأرى أَنَّ الأصلح لمنع هذا اللَّبس في هذا التركيب إمَّا أَنْ نعيد الفعل «نِعْمَ»، وإما أَنْ نأتي بلفظ يضم الصغار والكبار «القوم مثلا».

• الإجابة الثانية: نحن نعلم أنَّ فاعل نِعْم «جنس» وإذا أتت فيه «أل» تكون جنسية، وأنَّ

«المخصوص بالمدح والذم قد يكون فرعًا من هذا الجنس، وقد يكون فردًا، نقول: بئس الحيوان الذئب، فأنت ذممت جنس الذئب من بين جنس الحيوان، فـ ((الحيوان)) عام،

((والذئب)) خاص منه») (٣). واستخدام أسلوب المدح بنعم يُقصَد به: «تخصيص شيء من


(١) المرزوقي: كتاب الأزمنة والأمكنة، ت: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، لبنان، ط ١١٩٩٦ م، ص ١٧٤
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٧٧
(٣) فاضل السامرائي: معاني النحو، ٤/ ٣٠١

<<  <   >  >>