للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• الحذف في الجملة الاسمِيَّة وسياق الحال:

أشار سيبويه إلى حذف المبتدأ وإضماره) (١)، وفي عبارات واضحة جدا يربط بين إضمار المبتدأ وبين سياق الحال، ويذكر بعض الأمثلة على سياقات حال مختلفة يمكن من خلالها إضمار المبتدأ، وعقد بابا سمَّاه «هذا باب يكون المبتدأ فيه مضمرا، ويكون المبنيُّ عليه مظهرا»، قال فيه:

«وذلك أَنَّكَ رأيت صورة شخص فصار آية لك على معرفة الشخص؛ فقلت: عبد الله وربِّي، كَأَنَّك قلت: ذاك عبد الله، أو هذا عبد الله. أو سمعتَ صوتا فعرفتَ صاحبَ الصوت فصار آية لك على معرفته؛ فقلت: زيد وربِّى. أو مسِسْتَ جسدا أو شممت ريحا فقلت: زيد، أو المِسك. أو ذقتَ طعاما فقلت: العسل. ولو حُدِّثتَ عن شمائل رجلٍ فصار آية لك على معرفته لقلت: عبد الله. كَأَنَّ رجلا قال: مررتُ برجل راحم للمساكين بارٍّ بوالديه، فقلت: فلان واللهِ») (٢).

وعبارات كهذه من أوضح العبارات التي ربط فيها سيبويه سياق الحال والجملة الاسمِيَّة.

» فعندما أرى صورة شخص يشبه صورة شخص آخر، أقول: عبد الله وربِّي؛ أي: هذا يشبه عبد الله، أو هذا عبد الله.

» وعندما أسمع صوتا يكون صوته آية) أي: علامة (على صوت آخر نعرفه؛ أقول: زيد وربِّي؛ أي: هذا زيد.

» أو مسست جسدا أو شممت ريحا؛ فأقول: زيد أو المسك؛ أي: هذا زيد أو هذا المسك.

» أو ذقت طعاما؛ فأقول: العسل؛ أي: إِنَّهُ العسل.

» وإذا حدثت عن شمائل رجل فصار هذا علامة على رجل، فأقول: عبد الله؛ أي: إِنَّهُ عبد الله.

قال ابن يعيش موضحا الحذف في الجملة الاسمية: «اعلم أن المبتدأ والخبر جملةٌ مفيدةٌ تحصل الفائدةُ بمجموعهما، فالمبتدأ معتمَد الفائدة، والخبرُ محلُّ الفائدة، فلا بدَّ منهما، إلَّا أنَّه قد تُوجَد قرينةٌ لفظيَّة، أو حاليَّة تُغنِي عن النطق بأحدهما؛ فيُحذَف لدلالتها عليه، لأنَّ الألفاظ إنَّما جيءَ


(١) يفرق العلماء بين الحذف والإضمار، فالحذف: ((إسقاط جزء الكلام أو كله لدليل)). الرزركشي: البرهان في علوم القرآن، ٣/ ١٠٢، أو هو: ((يراد به في النحو: إسقاط كلمة من بناء الجملة، وقد تكون من أركانها، كالمبتدأ أو الخبر أو الفعل أو الفاعل، وقد تكون حرفا، وقد تحذف الجملة، كجملة جواب الشرط أو جملة جواب القسم عند اجتماع شرط وقسم)). د. عبادة: معجم مصطلحات النحو، ص ١٠١ ـ ١٠٢، أما الإضمار فهو: ((التقدير، فإضمار الفعل تقدير وجوده في التركيب من غير أن يُذكر، وكذلك إضمار المبتدأ))، السابق، ص ١٨٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٣٠

<<  <   >  >>