للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- دور قرينة السِّياق في إعمال ظن وأخواتها أو إلغاء عملها:

ومما يمكن ضمه إلى الجملة الفعلِيَّة هنا الحديث عن ظنَّ وأخواتها ودور السِّياق في إعمالها أو إلغائها، ونقول: إِنَّ مجموعة الأفعال التي وضعها النَّحْوِيّون تحت عنوان «ظن وأخواتها» نالت اهتماما كبيرا وعناية ملحوظة منهم.

لقد درسوا أهم الأحكام المتعلقة بها دراسة متأنيَّة. من تلك الأحكام حكم الإلغاء، ويقصدون به

«منع الناسخ من نصب المفعولين معًا، لفظا ومحلا منعًا جائزًا ــ في الأغلب ــ لا واجبا») (١). وهذا المصطلح يقابل مصطلح الإعمال الذي يعني أَنَّ المفعولين اللذين يأتيان مع هذه الأفعال نُصِبا بهذه الأفعال الناسخة.

ويعلل النُّحَاة لسبب الإلغاء بأنَّه ناتجٌ عن «إمَّا توسُّط الناسخ بين مفعوليه مباشرة بغير فاصل آخر بعده يوجب التعليق، وإما تأخره عنهما») (٢).

ويكتفي معظمهم بهذا سببا لإلغاء عمل ظن وأخواتها، وهذا السبب يحتاج إلى فضل تأمُّل وإنعام نظر. إِنَّ العلَّة في الإلغاء كما يقولون «توسط الناسخ بين مفعوليه»، وهذه العلة تثير تساؤلا مُؤَدّاه: أنَّى للناسخ أَنْ يتوسط بين مفعوليه بدون تدخل خارجي من إرادة واعية؟ أم أَنَّ التوسط يكون من تلقاء نفسه؟ وما السبب الذي جعل هذه الإرادة تقوم بهذا التوسط؟

إن تفسير الإلغاء بسبب التوسط فقط بدون الإشارة إلى السياق ودوره في هذا أمر يحتاج إلى فضل مراجعة وإيضاح. إِنَّ لكل حادث سببا كما يقول المناطقة، والتوسُّط لا بدَّ له من إرادة نابعة من متكلم، والمُتَكَلِّم لا يتكلَّم إلا وهو في سياق ما، وإغفال النُّحَاة للسياق جعلهم يعللون للإلغاء بهذا التعليل الذي قد تشوبه شائبة غموض.

ومما يثير العجب أَنَّ سيبويه إمام النُّحَاة وجَّه النظر إلى السِّياق في علاج هذه المسألة، واستطاع من خلاله تفسير الإلغاء، فقال في باب «الأفعال التي تستعمل وتُلغى»: «وكلَّما أردتَ الإِلغاء فالتأخيرُ أقوى. وكلٌّ عربىٌّ جَيِّد ... ، وإِنَّمَا كان التأخير أقوى؛ لأنَّهُ إِنَّمَا يجيء بالشكّ بعدما يَمْضِى كلامُه على اليقين، أو بعدما يبتدئ وهو يريد اليقينَ ثُمَّ يُدْرِكُه الشكُّ، كما تقول: عبدُ الله صاحبُ ذاك بلغَنى ... ، فأَخّرَ ما لم يَعمَلْ في أول كلامه. وإِنَّمَا جعل ذلك فيما بلغه بعدما مَضى


(١) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٣٨
(٢) السابق: ١/ ٣٨

<<  <   >  >>