للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضح أَنَّ المُتَكَلِّم وهو أحد عناصر سياق الحال، يتحكم في هذه المسألة تحكما، بدليل أَنَّهُ إذا أراد المواصلة والكثرة استخدم التركيب الأول «ما أنت إلا سيرًا»، وإذا أراد مجرد الإخبار استخدم التركيب الثاني «إِنَّمَا أنت سيرٌ».

ومن المواضع التي يحذف فيها عامل المصدر أَنْ يكون التركيب في أسلوب إنشائي طلبي. ويراد بالأساليب الإنشائِيِّة الطلبية هنا «ما يكون فيها المصدر المؤكِّد النائب دالا على أمر، أو نهي، أو دعاء، أو توبيخ، والكثير أَنْ يكون التوبيخ مقرونا بالاستفهام») (١).

وذكر سيبويه مثالا في حال الاستفهام فقال: «وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك: أقيامًا يا فلان والناس قعود، وأجلوسا والناس يفرون. لا يريد) المُتَكَلِّم (أَنْ يخبر أَنَّهُ يجلس ولا أَنَّهُ قد جلس وانقضى جلوسه؛ ولَكِنَّه يخبر أَنَّهُ في تلك الحال في جلوس وقيام») (٢). وذلك على سبيل التوبيخ والإنكار، قال المبرد: «قولك: أقياما وقد قعد الناس لم تقل هذا سائلا، ولكن قلته موبِّخا منكرا لما هو عليه، ولولا دلالة الحال على ذلك لم يجز الإضمار؛ لأنَّ الفعل إنَّما يضمر إذا دلَّ عليه دال؛ كما أنَّ الاسم لا يضمر حتى يذكر، وإنَّما رأيته فى حال قيام فى وقت يجب فيه غيره فقلت له منكرا») (٣).

والجزء الأخير من كلام سيبويه في نصه السابق يربط فيه هذا التركيب بسياق حال مُعَيَّن هو ما سماه العلماء فيما بعد بـ «الاستفهام التوبيخي». وسيبويه لم يصرح بوضوح ــ في كلامه هذا ــ الربط بهذا السِّياق المُعَيَّن، ولكن السيرافي ــ أفضل من شرحوا الكتاب ــ ربط هذا التركيب بهذا السِّياق بوضوح قائلا: «وهذا الكلام يقوله الإنسان عند فعل يشاهده مما ينكر عليه من أجل شيء آخر») (٤).

ومما يشبه المصدر في الاستفهام التوبيخي في هذا التركيب قول سيبويه في اسم الفاعل:

«أقائما وقد قعد الناس، وأقاعدًا وقد سار الركب») (٥).


(١) عباس حسن: النحو الوافي، ٢/ ٢٢١
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣٨
(٣) القتضب، ٣/ ٢٢٨
(٤) شرح كتاب سيبويه، ٢/ ٢٢٨، وتنظر الأمثلة التي ذكرها سيبويه فيما بعد: ــ مثل قول العجاج:
أَطَرَبًا وأنتَ قِنَّسْرِىُّ [بحر الرجز]
ــ وقول العرب ((أَغُدّةً كغُدّة البعير ومَوْتًا فى بيتِ سَلُولِيَّةٍ))، وقول جرير:
أَعَبدًا حَلَّ في شُعَبى غَريبًا ... أَلُؤمًا لا أَبالَكَ وَاِغتِرابا [بحر الوافر]
(٥) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٤٠

<<  <   >  >>