للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الفاعلية راجع إلى ((الروح)) الدالّ عليها سياق الكلام؛ أي: إذا بلغت هي، أي الروح ... والثاني نحو قولهم ــ أي العرب ــ إذا كان غدًا فأتني») (١).

وينبغي أَنْ نذكر هنا أَنَّ وجود مَرْجِعِيَّة للضمير ــ أيا كانت هذه المَرْجِعِيَّة ــ أمرٌ لازم للحفاظ على تماسك الكلام من التَفَكُّك) (٢).

ج خطورة عدم الاعتداد بقرينة السِّياق وأثره في التوجيه:

تتجلى أهمِيَّة سياق الحال أيضا من زاوية أخرى وهي زاوية غيابه وعدم اعتباره، وما يمكن أنْ يسببه هذا من إهدار أوجه إعرابية قيمة، مثال ذلك:

••قد يتعجل البعض ويُعرب مباشرة كلمة ((أنت)) الثانية في قولنا: (( ... وجدتك أنت أنت)) توكيدًا لفْظِيًّا فقط لا غير. ولكن من يتمهَّل ويتأمل السِّياق الذي وردت فيه الجملة فقد يجد أنَّها من الممكن أَنْ تكونَ خبرا ومبتدؤه ((أنت)) الأولى.

هذا ما نتعلمه من قول سيبويه الذي يقول فيه: «وتقول: قد جرّبتُك فوجدتُك أنتَ أنتَ، فأنتَ الأولى مبتدأة والثانية مبنية عليها، كَأَنَّك قلت فوجدتُك وجهُك طليق. والمعنى: أَنَّكَ أردت أَنْ

تقول: فوجدتك أنت الذي أعرف. ومثل ذلك: أنت أنت، وإن فعلتَ هذا فأنت أنت؛ أي: فأنت الذي أعرف، أو أنت الجواد والجَلْد، كما تقول: الناسُ الناسُ؛ أي: الناس بكل مكان وعلى كل حال كما تعرف» (٣)

أي أَنَّ «أنت أنت» في موقفٍ ما قد تكون توكيدًا لفْظِيًّا) (٤)، وفي سياق آخر تكون جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبر، ويكون المعنى أن المتكلم وجد المخاطب كما هو لم يتغير وهو على سابق المعرفة به. قال ابن يعيش: «وأما قولهم: ((أنت أنت)) فظاهر اللفظ فاسد؛ لأنه قد أخبر بما هو معلوم، وأنَّه قد اتَّحد الخبرُ والمخبَرُ عنه لفظًا ومعنى. وحكمُ الخبر أن يكون فيه من الفائدة ما ليس في المبتدأ، وإنما جاز ههنا؛ لأنَّ المراد من التكرير بقوله: ((أنت أنت) أي: أنت على ما عرفتُه من الوتيرة والمنزلة، لم تتغير معنى. وتكرير الاسم بمنزلة أنت على ما عرفتُه، وهذا مفيدٌ يتضمَّن ما ليس في الجزء الأول، وعليه قول أبي النجم:


(١) شرح التصريح على التوضيح: ت: محمد باسل، دار الكتب العلمية، لبنان، ط ١، ) ٢٠٠٠ م (، ١/ ٣٩٨
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٤٦٧
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٥٩
(٤) أشار النحاة إلى أنَّ الضمائر البارزة المنفصلة ((تؤكد بضمير بارز منفصل مناسب، فتقول مثلا مشيرا للمجرم: أنت أنت القاتلُ، ومن ذلك ما كان يقوله جماعة الرافضة في شوارع الكوفة مشيرين لعَلِيّ: أنت أنت اللهُ، فأمر بهم فحرقوا بالنار)). ينظر: النحو المصفى، ص ٥٩٤

<<  <   >  >>