للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى واضحة محددة، فيكون المقصود النهائي من الجملة أرسخ في الذهن وهذا هو السرُّ في قولهم: البدل في حكم تكرير العامل») (١).

وبناء على هذا الكلام فَإِنَّ البدل يأتي لتأكيد شيء معروف ومعهود عند المُتَكَلِّم والمخاطب. وهنا سؤال: هل يجوز استخدام البدل لشيء غير معروف عند المُتَكَلِّم أو المخاطب؟

والإجابة أَنَّهُ لا يجوز هذا؛ لأَنَّ هذا يتنافى مع طبيعة البدل؛ فإذا قلت: «بى المسكينَ كان الأمر، أو بك المسكينَ مررت، فلا يحسن فيه البدل؛ لأَنَّكَ إذا عنيت المخاطَب أو نفسَك فلا يجوز أَنْ يكون لا يدرى من تعنى، لأَنَّكَ لست تحدث عن غائب») (٢).

ــ ثانيا التوكيد:

باب التوكيد من الأبواب المرتبطة بسياق الحال أشدَّ الارتباط، فهو سبب وجود هذا الباب في الكلام أصلا. فالمُتَكَلِّم ــ محكوما بالسِّياق ومدفوعا به ــ يلجأ إلى التوكيد لتأكيد «المعنى» الذي يرغب بشِدَّة في إيصاله إلى «المخاطب»، فالتوكيد وجودًا وعدمًا سببه المُتَكَلِّم والمخاطب والسِّياق المحيط بهما. وهذا ما يقوله المنطق والعقل، وما تقوله دراسات علمائنا السابقين القدامى عن التوكيد التي سبق وأشرنا إليها) (٣). ويشير سيبويه إلى وظيفة ألفاظ التوكيد قائلا عنها أنَّها: «توصَف بها الأسماء ولا تُبنى على شيء. وذاك أَنَّ موضعها من الكلام أَنْ يُعمّ ببعضها، ويؤكد ببعضها بعد ما يُذكر الاسم)) (٤).

وجملة سيبويه عن ألفاظ التوكيد «لا تبنى على شيء» تعني أنَّها لا تأتي في المراحل الأولى للكلام ولا يُبدَأُ بها الجملة، فهي تأتي بعد «البناء»: بناء الخبر على المبتدأ، أو بناء الفاعل على الفعل. وهذا يعنى أيضا أَنَّ ما يأتي إليه التوكيد ليزيله أو يؤكد عليه لا يكون مع بداية الكلام بالتبعية فالشك والتوَهُّم والتثبت لا يظهر إلا في مراحل متأخرة من الكلام. وعلى هذا نقول أيضا: إِنَّ ممَّا يتصدر الكلام في الغالب الجملة الاسمِيَّة وبعدها الفعلِيَّة.

وممَّا أثبته سيبويه أيضا أَنَّ وظيفة ألفاظ التوكيد أنها «يُعَمُّ ببعضها»؛ أي أَنَّ بعضها يفيد العموم، ووظيفة بعضها «التوكيد» بعد الاسم؛ أي أَنَّ بعضها: يأتي لإزالة الشك من نفس المخاطب


(١) د. محمد عيد: النحو المصفى، مكتبة الشباب، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص ٦٢٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧٦، ومن إشارات سيبويه عن البدل إشارته إلى إمكانِيِّة إبدال النكرة من المعرفة، وذلك بشرط أن تستقل هذه النكرة بفائدة، مثل قوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}. ٢/ ٩
(٣) ينظر ما ذكر عند الحديث عن المفعول المطلق، في: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة.
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١١٦

<<  <   >  >>