للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيبويه ــ تعبِّر عن «كل قول لم يصدر عن أريحية وصدق رغبة واعتقاد») (١)؛ أي أَنَّ الجملة الفعلِيَّة تعبر عن الأقوال التي لم ترسخ وتثبت في نفس المُتَكَلِّم، وعدم الرسوخ هنا لا بد أَنَّهُ ناتج عن أمور مرتبطة بالسِّياق) (٢).

- الترتيب بين العناصر المكوِّنة للجملة الفعلِيَّة:

من أشكال التأثير التي يؤثِّر بها سياق الحال في الجملة الفعلِيَّة تأثيره على ترتيب أجزاء الجملة الفعلِيَّة من حيث التقديم والتأخير. نوَّه إلى هذا سيبويه في باب: الفاعل الذي يتعدَّاه فعله إلى

مفعول، بعد حديث عن تقديم المفعول به على الفاعل، فذكر هذه الجملة المُهِمَّة: «كَأَنَّهم إِنَّمَا يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعًا يُهمّانهم ويعنيانهم») (٣).

إن تقديم بعض أجزاء الجملة الفعلِيَّة على بعض يرتبط بأبرز العناصر المكوِّنة لسياق الحال ألا وهو المُتَكَلِّم الذي يرغب في تسليط الاهتمام على جزء دون جزء، فالتقديم والتأخير يرتبط بشكل واضح بإرادته ورغبته النفسِيَّة وقت الكلام. وما أجمل تعليق السيرافي على إشارة سيبويه السابقة، حيث قال:

«قد تكون أغراض الناس في فعل ما أَنْ يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون مَن أوقعه به، كمثل ما يريده الناس من قتل خارجي مفسد في الأرض، ولا يبالون من قتله، فإذا قتله زيد فأراد مخبر أَنْ يخبر بذلك؛ قدَّم الخارجي في اللفظ؛ لأَنَّ القلوب متوقعة لما به من أجله، لا من قتله؛ فتقول: قتل الخارجيَّ زيدٌ ... وهذا كلام إِنَّمَا هو على قدر عناية المُتَكَلِّم، وعلى ما يسنح له وقت كلامه») (٤).

إن تقديم جزء من الجملة على آخر يتوقَّف على إرادة المُتَكَلِّم المدفوعة بالسِّياق فيه، وتأثير سياق الحال في ترتيب أجزاء الجملة ليس مقصورا على الجملة الفعلِيَّة، بل يمتد أيضا إلى الجملة الاسمِيَّة، والسبب هو العناية والاهتمام. قول: «والتقديم ههنا) باب تُخبرُ فيه عن النكرة بنكرة


(١) الكشاف: ١/ ٦٤
(٢) يراجع ما قلناه تحت عنوان: حالة المُتَكَلِّم النفسيَّة ومكنونها، في مبحث حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الدِّلَالِيّ.
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٤
(٤) شرح كتاب سيبويه، ١/ ٢٦٣ ــ ٢٦٤

<<  <   >  >>