أـ إثبات أَنَّ سيبويه كان يضع قواعده من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة.
ب ــ توجيه النظر إلى أَنَّ سيبويه كان يعتبر سياق الحال عند تقعيده للقواعد.
ج ـ إيضاح أَنَّ المخاطب والمُتَكَلِّم كانا أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه.
ومن خلال الحديث في هذه النقاط الثلاث وإبرازها نُثبت علاقة سيبويه بالسِّياق وخاصة سياق الحال، ونظهر مكنون هذه العلاقة. وأعتقد أَنَّ إثبات هذه العلاقة أمر مُهِمّ لموضوع البحث، إذ كيف نتحدث عن دور سياق الحال في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ في كتاب سيبويه دون أَنْ نثبت ابتداء وجود ثَمَّة علاقة بين سيبويه وسياق الحال؟ وكيف نخطو خطوات في بحثنا دون أَنْ نبيِّنَ مدى تَلبُّس سيبويه بهذه العلاقة؟
وأول ما يساعدنا على إثبات هذه العلاقة إظهار أَنَّ سيبويه كان يعتمد في تقعيده النَّحْوِيّ على اللُّغَة الحَيَّة المنطوقة، وثانيا أَنَّ هذه اللُّغَة الحَيَّة المنطوقة قادته إلى اعتبار سياق الحال في دراسته وتقعيده لِلُّغَة؛ لما لاحظه من وجود تأثير له عليها، وثالثا أَنَّ وعيه بأهمِيَّة سياق الحال في دراسة اللُّغَة تقعيدا وتوجيها وتفاعله معه أوقفه على أَنّهُ ليست كلُّ العناصر المُكوِّنة لسياق الحال على درجة واحدة من الأهمِيَّة، وأنَّ أبرز هذه العناصر أهمِيَّةً المخاطبُ والمُتَكَلِّم.
- سيبويه يقوم بالتَّقْعِيدالنَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة:
من المبادئ اللُّغَوِيَّة التي يُقرُّها اللغويّون أَنَّ اللُّغَة المنطوقة «تتسم بسمات معيَّنة حُرِمَتْ منها اللُّغَة المكتوبة، ففي النطق والأداء الصوتي لِلُّغَة خواصّ لا يمكن أَنْ تُفصح عنها النصوص المكتوبة فهذه النصوص في صورتها العامَّة جامدة ساكنة، خالية من الخواص النطقيَّة البالغة الأهمِيَّة في عَمَلِيَّة الإيصال والتوصيل، كالنبر، وموسيقى الكلام) التنغيم (، والفصل والوصل، وما يَلُفُّ كلَّ ذلك من ظروف ومناسبات في مقامات الكلام وسياقه الاجتماعِيّ» (١).
وما هذا المبدأ مبدأ الاعتماد على اللُّغَة الحَيَّة المنطوقة عن سيبويه ببعيد؛ فمن يدرس الكتاب ويسبر غوره، يجد أَنّهُ يعتمد في تقعيده وتوجيهه النَّحْوِيّين على اللُّغَة الحَيَّة المنطوقة. والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة، منها:
(١) د. كمال بشر: التفكير اللغويّ بين القديم والحديث، دار غريب، القاهرة، ، ) ٢٠٠٥ م (، ص ٥٧