للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخاطب والمُتَكَلِّم أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه:

دراسة نصوص الكتاب وأقواله يبيِّنان ــ كما أثبتنا ــ اعتماد صاحبه على النصوص الحَيَّة المنطوقة، وأَنَّه كان على وعي بسياق الحال الذي تقال فيه هذه النصوص والأقوال، وأَنَّه أخذه بعين الاعتبار في تقعيده وتحليلاته الدِّلالِيَّة لبعض الجمل.

وبعد دراسة الباحث للكتاب لاحظ أَنَّ أبرز عناصر سياق الحال التي اعتنى بها سيبويه وعرض لها وكانت محلَّ اهتمامه: المخاطَبُ (١) أولا والمُتَكَلِّم ثانيا. ويظهر هذا الاهتمام بهما في عدد المسائل التي استعان فيها بالمخاطب وعلمه ومناقشته لقضية أمن اللَّبس من خلاله، واستعانته بالمُتَكَلِّم وإمكانِيِّة سكوته في تفسير كثير من قواعد الكتاب.

ومقصدي هنا أَنْ أشير فقط إلى أَنَّ أبرزَ عنصرين من عناصر سياق الحال كانا المخاطب والمُتَكَلِّم، وسنكتفي بأدلة بسيطة على ذلك، وسيأتي الكلام بشكل أعمق عنهما في فصل: دور السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ. وقد لزم التنبيه هنا على هذا الإبراز المؤقت لدور هذين العنصرين حتى نؤكد على ترابط عناصر الرسالة، وننفي عنها ما قد يتوهم فيها من تكرار.

ــ أولا المخاطب:

استغل سيبويه المخاطَب وكون الكلام موجَّه إليه في كثير من القواعد النحوِيَّة التي حاول أَنْ يقرِّرَها؛ فكان المخاطب وعلمه ووجودهما الافتراضيان حاضرين عنده، يلجأ إليهما في تفسير ما يريد توضيحه، فمن خلاله ومن خلال علمه استطاع أَنْ يقف على الآتي:

١. تفسير حذف الموصوف: ففي قول النابغة:

كَأَنَّكَ مِن جِمالِ بَني أُقَيشٍ ... يُقَعقَعُ خَلفَ رِجلَيهِ بِشَنِّ [بحر الوافر]

يقول: «أي كَأَنَّك جملٌ من جمال بني أقيش؛ فقد حذف الموصوف في هذا البيت تخفيفا، واستغناء بعلم المخاطب بما يعني» (٢).

٢. ومن خلاله استطاع تقدير جواب الشرط المحذوف: يقول: «وسألت الخليل عن قوله جلَّ ذكره: {إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ} [الزمر: ٧١] {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: ٢٧]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر) الجواب (في كلامهم لعلم المخبَر لأي شيء وضع هذا الكلام» (٣).


(١) ويسميه سيبويه أحيانا: المُخبَر والمُحدَّث ٣/ ١٠٣، وأحيانا: المُكلَّم ٢/ ٢٠٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٤٦
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٠٣

<<  <   >  >>