للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوّل، يقينًا كان أو شكّا، وذكرتَ الأوّلَ لتُعلِم الذي تُضيفُ إليه ما استَقّر له عندَكَ مَن هو فإنّما ذكرتَ ظننتُ ونحوَه لتجعلَ خبر المفعول الأوّل يقينا أو شكّا، ولم ترد أَنْ تَجعل الأوّل فيه الشَّك أو تقيم عليه في اليقين») (١).

- قد يتقدَّم الخبر على المبتدإ في بعض الأحيان لأمر يريده المُتَكَلِّم ويهتم به.

****

المبحث الثاني: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة وما يتعلق بها:

يؤثِّر سياق الحال في الجملة الفعلِيَّة بشكل واضح، ويُثبت سيبويه هذا التأثير فى مواضع كثيرة من الكتاب. وقد جمع الباحث كل هذه المواضع التي لاحظ فيها تأثيرا لسياق الحال على كل ما يتعلق بالجملة الفعلِيَّة، وصنَّف كل مجموعة من النصوص تتَعَلَّق بأمر مُعَيَّن مع بعضها. وستناقش كل مجموعة من هذه المجموعات تحت عنوان من العناوين الفرعِيَّة:

- سياق الحال يُؤَثِّر في كينونة الجملة الفعلِيَّة أيضا:

من النصوص المهمَّة لسيبويه نصه الذي يقول فيه:

« ... وإِنَّمَا فعلوا هذا بالنداء لكثرته في كلامهم؛ ولأَنَّ أول الكلام أبدا النداء، إلا أَنْ تدعه استغناء بإقبال المخاطَب عليك، فهو أوَّل كل كلام لك به تعطف المُكلَّم عليك، فلما كثر وكان الأوَّل في كل موضع؛ حذفوا منه تخفيفا؛ لأنَّهم ممَّا يغيرون الأكثر في كلامهم») (٢).

إن جملة سيبويه الخطيرة المؤكدة بحرف التوكيد في النَّصّ السابق: «إِنَّ أول الكلام أبدا

النداء» تدل على أَنَّ كل ما يلفظه المُتَكَلِّم سيكون «مشمولا بسياق ما»، فالمتكلم يبدأ كلامه بالنداء وهو لن ينادي على أحد إلا إذا دعا سياق لهذا، ونص سيبويه السابق يجعلنا نستنبط منه قاعدة سِيَاقِيَّة يمكن أَنْ نصوغها بقولنا إِنَّهُ: «لا نصّ بدون سياق»، ويكون كلام عبقري اللُّغَة سيبويه في النَّصّ السابق دليلا على هذه القاعدة. وإذا قلنا افتراضا إِنَّ كلامنا قسمة بين الجملة الاسمِيَّة والفعلِيَّة فهذا يعني أَنَّ كلَّ كلامنا لا بد أَنْ يكون ضمن سياق ما.

ويؤثِّر سياق الحال في الجملة الفعلِيَّة بشكل ما من خلال المُتَكَلِّم، فإذا كانت الجملة الاسمِيَّة تعبِّر عما هو ثابت ومستقر عند المُتَكَلِّم، فَإِنَّ الجملة الفعلِيَّة ــ كما يقرر الزَّمَخْشَرِيّ الذي تَلْمَذَ لكتاب


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٠
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٠٨

<<  <   >  >>