للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ ــ المبحث الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة:

ناقشنا في العنوان السابق أهمِيَّة قرينة السِّياق، خاصة قرينة سياق الحال، في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه، وناقشنا تحته ــ كما تعلمنا من نصوص سيبويه ــ تراكيبَ نحوِيَّة لا يصح تركيبها ولا تصح كينونتها إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تصححها، وأنَّه توجد تراكيب نحوِيَّة يصعب فهمها ابتداء بدون قرينة السِّياق، وأنَّ قرينة السِّياق كانت مع سيبويه أداة طيعة استخدمها في شرحه وتوجيهه، وأظهرنا أَنَّ السِّياق قد يمثل أحيانا مَرْجِعِيَّة للضمير، وأوضحنا أَنَّ عدم الاعتداد بالسِّياق يمكن أَنْ يهدر توجيهات إعرابية مُهِمَّة.

وهنا وتحت هذا العنوان سنحاول بشكل أعمق وأوضح تجلية دور قرينة السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ، ونبين بشكل ظاهر دور قرينة السِّياق في الإثراء الدِّلَالِيّ.

يعلمنا سيبويه أَنْ نستغل سياق الحال في إثراء التوجيه الإعرابِيّ، وأَنْ نستخرج من الجملة مكنوناتها الدِّلالِيَّة بمفتاح السِّياق. نشعر بهذا من خلال النصوص المُنْبَثَّة في حنايا الكتاب وصفحاته شعورا مباشرا وغير مباشر.

ــ فعندما نقول: أتيتنا أمسِ نُعطِكَ اليوم، يجوز في الجملة الثانية جزم فعلها وعدم الجزم، ويكون الجزم على اعتبار أَنَّ الجملة الثانية ((نُعطِكَ اليوم)) جزاء لما قبلها، أي كَأَنَّنا قلنا: إِنَّ كنت أتيتنا أمسِ أعطيناك اليوم. أَمَّا عدم الجزم فعلى اعتبار أَنَّ المُتَكَلِّم يريد أَنْ يُقَرر المخاطب) أي يجعله يعترف ويثبت على نفسه «بأَنَّه قد فعل») (١)، وعلى ذلك لا تكون الجملة الثانية جزاء؛ «لأَنَّ الجزاء إِنَّمَا يكون في غير الواجب») (٢). ولا شك أَنَّ المُتَكَلِّم أثناء قول الجملة الثانية سيقولها على النسق النغمي لجملة الاستفهام. قال ابن يعيش: «وتقول: ((أأتيتنا أمس نعطك اليوم؟ )) معناه: أأتيتنا أمس؟ إن كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم. وإن كان قولك: ((أأتيتنا أمس)) تقريرا، ولم يكن استفهاما، لم يجز الجزم؛ لأنَّه إذا كان تقريرا، فقد وقع الإتيان، وإنَّما الجزاء في غير الواجب») (٣).

إن اعتبار هذا السِّياق عند من يقوم بالتوجيه النَّحْوِيّ لهذا التركيب لا شك يُثري دلالة الجملة.

ــ ويناقش سيبويه الجملة «قمْ يدعوك»، فيذكر لها توجهين: الأول جزم «يدعوك»، على الجزم في جواب الطلب، والتوجيه الثاني الرفع، وفي تفسيره يقول: «وتقول: قم يدعوك؛ لأَنَّكَ لم ترد أَنْ


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٩٥
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٩٥ والواجب عند سيبويه يأتي على معنيين: المثبت؛ أي: غير المنفي، ويُرادُ به أيضا الخبري؛ أي ما يحتمل الصدق والكذب. والمعنى الثاني هو المقصود هنا. ينظر: د. محمد عبادة: معجم مصطلحات النحو، ص ٢٩٥
(٣) شرح المفصل: ٤/ ٢٧٤

<<  <   >  >>