للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجعل دعاءً بعد قيامه ويكون القيام سببًا له، ولكنك أردت: قم إِنَّهُ يدعوك، وإن أردت ذلك المعنى جزمت») (١). أي: إذا وجه المُتَكَلِّم إلى المخاطب الأمر بأن يقوم حتى يكون هذا سببا لدعوته جاز الجزم. قال ابن يعيش في أثناء مناقشته للتوجيهات الإعرابية للفعل المضارع الذي يأتي في جواب الطلب: « ... إذا لم تقصد الجواب والجزاء، رفعت. والرفع على أحد ثلاثة أشياء: إمَّا الصفة إن كان قبله ما يصح وصفه به؛ وإما حالا إن كان قبله معرفة؛ وإما على القطع والاستئناف ... والثالث: أن يكون مقطوعا عما قبله مستأنفا، كقولك: ((لا تذهب به تغلب عليه)). وذلك أن الجزم ها هنا على الجواب لا يصح لفساد المعنى، إذ يصير التقدير: إنْ لا تذهب به تغلب عليه؛ فيصير عدم الذهاب به سبب الغلب عليه، وليس المعني عليه، فكان مستأنفا، كأنَّك أخبرت أنَّه ممن يغلب عليه على كل حال. وكذلك ((قم يدعوك) أي: إنَّه يدعوك، فأمرته بالقيام، وأخبرته أنَّه يدعوه ألبتة، ولم ترد الجواب على أنَّه إن قام دعاه») (٢).

إن سيبويه يُفَعِّلُ السِّياق هنا، ويستغله لإثراء التوجيه النَّحْوِيّ وتقليب المعنى، ويجد من الإعراب والعلامة الإعرابِيّة عونا على عكس تأثيرات هذا السِّياق. فإذا كانت الجملة في سياق سببيّة جُزِم الفعل؛ أي أَنَّ المُتَكَلِّم أمر المخاطب أَنْ يقوم حتى يكون هذا سببا في دعوته، وقد يكون السِّياق بعيدا عن السببية ولا يتعدى كونه مجرد إخبار وعرض من المُتَكَلِّم للمخاطب فيرفع الفعل.

- ونشعر بهذا الإثراء شعورا غير مباشر في مثل قوله:

• «وقال جريرٌ:

أَعَبْدًا حَلَّ فى شُعَبَى غَرِيبًا ... أَلُؤْمًا لا أبا لك واغترابا [بحر الوافر]

يقول: أَتَلؤُم لُؤْمًا وأَتَغترب اغترابا، وحَذَفَ الفعلين فى هذا الباب، لأَنَّهم جعلوه بدلاً من اللفظ بالفعل وهو كثيرٌ فى كلام العرب. وأما ((عبدًا)) فيكون على ضربينِ: إن شئت على النداء، وإن شئت على قوله: أَتَفتخر عبدًا، ثم حذف الفعل») (٣). وقال في موضع آخر عن نفس الشاهد: «وأما قول الشاعر:

أَعَبْدًا حَلَّ فى شُعَبَى غَرِيبًا ...


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٩٨
(٢) شرح المفصل، ابن يعيش ٤/ ٢٨٠
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٣٩

<<  <   >  >>