للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون على وجهين: على النداء، وعلى أنَّه رآه في حال افتخار واجتراءٍ، فقال: أَعبدًا، أى أَتَفْخَرُ عبدا، كما قال: أَتميميًّا ((مرة))») (١).

وجَّه سيبويه «عبدًا» في الشاهد السابق توجيهين إعرابيين: النصب على النداء أو النصب على تقدير فعل محذوف بعد أداة استفهام إنكاري توبيخي كما يوضح ذلك البغدادي في خزانته، قال:

«وقد نقل ابن السيد في شرح أبيات الجمل الوجهين: النداء والاستفهام عن سيبويه. وأنشد سيبويه هذا البيت على أنَّ لؤمًا واغترابًا منصوبان بفعل محذوف على طريق الانكار التوبيخي كأنه قال: أتلؤم لؤما وتغترب اغترابا. ويجوز أن يكون التقدير: أتجمع لؤما واغترابا فتنصبهما بفعل واحد

مضمر») (٢).

ولا شك أنَّ توجيه النداء يتطلب سياقا مختلفا عن سياق الاستفهام الإنكاري التوبيخي، وسيبويه وإنْ لم يشر إلى ذلك صراحة فهو يُفهم ضمنًا.

• ويقول أيضا في موضع ثان: « ... ومثله في أَنَّ الوصف أحسنُ: هذا رجلٌ عاقلٌ لبيبٌ، لم يجعل الآخرَ حالا وقع فيه الأوَّل، ولَكِنَّه أثْنى عليه وجعلهما شَرْعًا سواءً، وسوَّى بينهما في الإجراء على الاسم. والنصبُ فيه جائز على ما ذكرت لك. وإنّما ضَعُفَ لأنَّه لم يرد أنَّ الأوَّل وقع وهو في هذه الحال، ولكنَّه أراد أنَّهما فيه ثابتان، لم يكن واحدٌ منهما قبل

صاحبه») (٣).

إنَّ ما نفهمه من هذا النَّصّ أَنَّ الجملة «هذا رجل عاقلٌ لبيبٌ» برفع الوصفين الموجودين بها يكون على سبيل المدح والثناء، ونفهم منه أيضا أَنَّنا في سياق آخر يمكننا أَنْ ننصب هذين الوصفين على الحال، وتكون الجملة بهذا بعيدة عن سياق المدح والثناء، بل على العكس قد تفيد الجملة السخرية والاستهزاء، فعندما نقول: «هذا رجل عاقلا لبيبا»، يكون المعنى: هذا رجل حالة كونه عاقلا لبيبا؛ سخرية واستهزاء. هذا ما يفهم من كلامه هنا.

• وفي جملة مثل «هذا الرجلُ» قد تكون دلالتها في سياق ما «الكمال والرجولة»، وفي سياق آخر مجرد «تعريف لمن يطلق عليه اسم الرجل»، يقول سيبويه: «إذا قلت: هذا الرجلُ فقد يكون أَنْ تعني كماله، ويكون أَنْ تقول: هذا الرجل، وأَنْ تريد كل ذَكَر تَكَلَّم ومشى على


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٤٤ ــ ٢٤٥
(٢) خزانة الأدب: ٢/ ١٨٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٥١

<<  <   >  >>