المبحث الأول: سياق الحال والجملة الاسمِيَّة:
سنناقش هنا تأثير سياق الحال على الجملة الاسمِيَّة، وسنحاول أنْ نجيب على السؤالين التاليين: ما مدى تأثير سياق الحال على تكوين الجملة الاسمِيَّة؟ وكيف يتحكم في العلاقة بين ركنيها؟
ويمكن أَنْ نناقش تحت هذا العنوان العناوين الفرعِيَّة الآتية:
• السِّياق والابتداء بالمعرفة:
قبل دراسة كتاب سيبويه توقَّع الباحث تأثيرًا محدودًا لسياق الحال على الجملة الاسمِيَّة، تأثيرٌ قد يوجد مثلا في تقديم الخبر على المبتدأ، أو في حذف أحد ركنيها. ولكن ما لم يتوقَّعه الباحث أَنْ يصل تأثير سياق الحال على الجملة الاسمِيَّة برمتها وجودًا وعدمًا، وأنَّه يتحكَّم في وجودها وكينونتها وذاتها.
هذا ما تقوله نصوص سيبويه، وما أدَّى إليه تحليل هذه النصوص. ففي أحد النصوص الخطيرة والمُهِمَّة لسيبويه يقول:
«واعلم أَنَّهُ إذا وقع في هذا البابِ نكرةٌ ومعرفةٌ فالذي تَشْغَلُ به كان المعرفةُ؛ لأنَّهُ حدُّ الكلام؛ لأَنَّهما شيء واحد، وليس بمنزلة قولك: ضرب رجل زيدًا لأَنَّهما شيئان
مختلفانِ، وهما في كان بمنزلتهما في الابتداء إذا قلت: عبد الله منطلق، تبتدئ بالأعرف ثُمَّ تَذكر الخبرَ») (١).
وقد وقفتُ أمام جملة سيبويه المُهِمَّة «تبتدئ بالأعرف ثُمَّ تذكر الخبر»، وأثارت عندي عدة أسئلة:
» من الذي يبتدئ بالأعرف؟
» والأعرف لمَنْ؟
»
وألا تقتضي هذه الجملة أَنْ يكون هناك «شيء معروف» بين طرفين.
» ولماذا استخدم صيغة التفضيل «الأعرف».
والإجابة المنطقية العقلِيَّة البديهيَّة لهذه الأسئلة أَنَّ الذي يبتدئ بالأعرف هو المُتَكَلِّم، وأَنْ يتَّجه بكلامه إلى مخاطَب، وأنَّ المُتَكَلِّم إذا أراد أَنْ يبدأ حديثًا مع المخاطب لا بد أَنْ يبدأ بشيء
(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٧، ويقدم السيرافي لنص سيبويه السابق فضل بيان فيقول: ((الوجه أن تجعل الأعرف هو الاسم، كقولك: كان زيدٌ منطلقا، وكان منطلقًا زيد، ولم يحسن أن تقول: كان منطلقٌ زيدًا؛ لأنَّك إِنَّمَا تخبر عمن يعرفه المخاطب بما لا يعرفه من شأنه حتى يعرفه فيساويك فيه وفي خبره)) ٢/ ٢١٩ ويقول سيبويه في نصّ ثان مؤكدا لفكرة الابتداء بالمعرفة: ((إِنَّمَا تكون المعرفة مبنيا عليها أو مبنيةٌ على اسم أو غير اسم)). ٢/ ١١٤