للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من الممكن الاكتفاء بالتوجيه الأول: الجر على النعت أو البدل، ولكن عند تخيل وجود سياق حواري متخيل من متكلم ومخاطب أثري التوجيه النَّحْوِيّ والدِّلَالِيّ وأثر فيه) (١).

***

٣ ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

مما يتعلق بكلامنا: «دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ» أَنْ نُقَرِّر أَنَّ سيبويه كان يجيز كل التوجيهات النحوِيَّة الممكنة لمسألة نحوِيَّة ما بحُرِّيَّة ما دام لا توجد قرينة تمنع أحد هذه التوجيهات مثل قرينة سياق الحال.

ومن أمثلة هذا التوجيه «الحر» غير المقيَّد بقرينة:

أـ يذكر سيبويه قول عمرو بن مَعْدِ يكرب:

الحربُ أوّلٌ ما تكونُ فُتيَّةً ... تسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ [بحر الكامل]

ويقول عنه: «هذا البيت تنشده العرب على أوجه بعضهم يقول ... :

*الحربُ أوّلَ ما تكون فُتَيَّةٌ*

أي إذا كانت في ذلك الحين، وبعضهم يقول:

*الحربُ أوّلُ ما تكون فُتَيَّةً*

كَأَنَّه قال: الحربُ أوّلُ أَحوالِها إذا كانتْ فتَيَّةً، كما تقول: عبدُ الله أحسنُ ما يكون قائما. ومن رَفَعَ الفُتَيَّة ونَصَب الأوّل على الحال قال: البُرُّ أَرْخَصَ ما يكون قَفيزانِ. ومن نَصَبَ الفُتَيَّة ورَفَعَ الأوّل قال: البُرُّ أَرْخَصُ ما يكون قَفيزَيْن») (٢).

ويلخص الأستاذ هارون الأوجه الإعرابِيّة في البيت السابق بشكل أوضح قائلا: «والشاهد فيه رفع ((أول)) ونصب ((فتية)) والعكس، ورفعهما جميعا ونصبهما على تقديرات مختلفة. فتقدير الأول: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، ففتية فيه حال ناب مناب الخبر للمبتدإ الثاني، وتقدير الثاني:


(١) ومن الأمثلة المشابهة لما ورد في نصّ سيبويه هنا قوله: ((وتقول: مررت بأخوَيْك الطويل والقصير، ومررتُ بأخوَيك الراكع والساجد، ففي هذا البدل، وفي هذا الصفة، وفيه الابتداء، كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح)). ٢/ ٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٠١ ــ ٤٠٢

<<  <   >  >>