للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتمثل دور المخاطَب أو المُحَدَّث أو المخبَر في التوجيه الإعرابِيّ في «إمكانيَّة فهمه للكلام أم لا»؛ بمعنى: هل هذا الكلام يمكن أَنْ يفهمه المخاطب أم لا. ففي بعض الأحيان يُعرِضُ سيبويه عن توجيه إعربي ما ويقبل آخر، والسبب أَنَّ الأول لا فائدة فيه للمخاطب، وفي الثاني تكمن الفائدة له. ونضرب مثالا على ذلك.

في باب البدل أورد سيبويه مجموعة الجمل التالية:

• بعت متاعك أسفلَه قبل أعلاه.

• واشتريت متاعك أسفلَه أسرع من اشترائي أعلاه.

• واشتريت متاعك بعضَه أعجل من بعض.

• وسقيت إبلك صغارَها أحسن من سقيي كبارها.

• وضربت الناس بعضَهم قائما وبعضهم قاعدًا.

الكلمات «أسفله، بعضه، صغارها، بعضهم» لا يجوز فيها إلا النصب، ولا يصِحُّ الرفع؛

«لأَنَّ ما ذكرت بعده ليس مبنيا عليه؛ فيكون مبتدأ») (١). يعني أَنَّنا لا نقول في المثال «اشتريت متاعك بعضَه أعجل من بعض»: اشتريت متاعك بعضُه أعجلُ من بعض؛ فنجعله ابتداء وخبرًا في موضع الحال من «متاعك»؛ لأَنَّكَ ــ كما يقول السيرافي ــ «لم ترد اشتريت متاعك وبعضه أعجلُ من بعض، لأنَّهُ لا فائدة فيه») (٢). أي لا فائدة فيه للمخاطب.

وفي بعض الأحيان يكون الإثراء التوجيهي عَمَلِيَّة مشتركة بين المُتَكَلِّم والمخاطب، فعندما يقول سيبويه: «ومنه أي: النعت] أيضا: مررتُ برجلين مسلمٍ وكافرٍ، جمعت الاسم وفرقت النعت. وإن شئت كان المسلم والكافر بدلا، كَأَنَّه أجاب مَن قال: بأي ضرب مررت؟ ، وإن شاء رفع كَأَنَّه أجاب من قال: فما هما؟ فالكلام على هذا، وإن لم يلفظ به المخاطب؛ لأنَّهُ إِنَّمَا يجري كلامه على قدر مسألتك عنده لو سألته») (٣).

فالكلمتان «مسلم وكافر» يجوز في توجيههما النَّحْوِيّ أَنْ تعربا نعتا أو بدلا. ولكن إِنْ تَخَيَّلْنا حوارا بين متكلم ومخاطب، فقال المُتَكَلِّم: مررت برجلين؛ فقال المخاطب: «فما هما؟ »؛ فرد المُتَكَلِّم: مسلمٌ وكافرٌ؛ فرفع على اعتبار أنهما خبران لمبتدأ محذوف يفهم من المقام.


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٥٢
(٢) شرح كتاب سيبويه: ٢/ ١٣
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٣١

<<  <   >  >>